f الدور الفرنسي في تصعيد التوتر شرقي المتوسط | دراسات أوروبية | SETA الدور الفرنسي في تصعيد التوتر شرقي المتوسط – SETA

الدور الفرنسي في تصعيد التوتر شرقي المتوسط

ومما لا شك فيه أن للرئيس الفرنسي ماكرون الدور المهيمن في تصعيد التوتر شرقي المتوسط. إذ أن ماكرون لا يكتفي فقط بإحباط مساعي المستشارة الألمانية ميركل لإطلاق محادثات ثنائية بين تركيا واليونان، مستعرضًا حمايته لليونان بالمعنى العسكري، ففي الوقت نفسه؛ يخطو خطوات جديدة في سياسته الخارجية الطموحة عبر زيادة الوجود العسكري الفرنسي شرقي المتوسط.

يحتدم تنافس القوى شرقي المتوسط باستمرار، فواشنطن التي تمر بفترة الانتخابات الرئاسية، في مفارقة واضحة توصي بخفض التوتر في المنطقة من ناحية، وتزيد من حدة الأزمة بما تجريه من تحركات من ناحية أخرى. وقد كان الرفع الجزئي لحظر السلاح عن جنوب قبرص أخر مثال على ذلك، إذ يشجع هذا القرار المطامع الجامحة لليونان وجنوب قبرص شرقي المتوسط، حتى وإن كان الهدف منه هو خفض النفوذ الروسي جنوبي قبرص.

من الصعب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تتخذ موقفًا فعالًا في مسألة خفض التوتر في المنطقة، بسبب المرحلة التي تمر بها من انتخابات رئاسية تستمر حتى يناير من عام 2021، يليها بدء الرئيس الجديد مهامه.

أما عن ألمانيا؛ فقد أطلقت مبادرات جديدة خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من توليها الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، إلا أن مساعيها لا تثمر عن نتيجة، جراء سياسة فرنسا العدوانية. لذا؛ فإن بقاء منطقة شرق المتوسط ك “أخطر مجري مائي في العالم” حتى نهاية هذا العام لن يكون أمرًا مفاجئًا. بناءً عليه؛ ستكون إدارة الولايات المتحدة الأمريكية لمرحلة الأشهر الأربعة هذه، والتي ستنكفئ فيها على ذاتها على قدر عال من الأهمية، وذلك لأن صراعًا محتملًا بين تركيا واليونان سيقود الناتو إلى اضطرابٍ خطيرٍ.

إذا استسلمت ألمانيا أمام مقترح تطبيق عقوبات على تركيا في قمة قادة الاتحاد الأوروبي التي ستُعقد في الرابع والعشرين من سبتمبر/أيلول الجاري، فسوفتزداد عملية إدارة التوتر شرقي المتوسط تعقيدًا.

ومما لا شك فيه أن للرئيس الفرنسي ماكرون الدور المهيمن في تصعيد التوتر شرقي المتوسط. إذ أنه لا يكتفي فقط بإحباط مساعي المستشارة الألمانية ميركل لإطلاق محادثات ثنائية بين تركيا واليونان، مستعرضًا حمايته لليونان بالمعنى العسكري، ففي الوقت نفسه؛ يخطو خطوات جديدة في سياسته الخارجية الطموحة عبر زيادة الوجود العسكري الفرنسي شرقي المتوسط. إذ ينوي ماكرون ملء الفراغ الذي تركه الانسحاب الجزئي للولايات المتحدة الامريكية، وهناك أمثلة أخرى تكشف عن نيته تلك، أهمها ما قام به في جولاته الأخيرة من تحديد للحكومة الجديدة بلبنان، وتقديم الدعم للعراق لمكافحة داعش. ومن ثم فإن القضية الأساسية هي أن ماكرون يؤسس سياسته الطموحة في المنطقة على منظور مجابهة تركيا وتحديها، ليبدو وكأنه يقوم بتحضير مواد شديدة الخطورة.

يغذي ماكرون خطاب “نبذ تركيا من أوروبا” الذي برز أثناء الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويستغل مشاعر الرغبة في “تقييد تركيا وأردوغان” الموجودة في أوروبا.

يهدف ماكرون إلى استعادة الأدوار التي خسرها لصالح تركيا في سوريا وليبيا، مستخدمًا في ذلك اليونان كأداة لتحقيق أهدافه. بهذا الشكل؛ يستعرض ماكرون قيادته لأوروبا، على نحو ينحي فيه ألمانيا -باعتبارها أكثر قوة عسكرية فعالة في الاتحاد الأوروبي- جانبًا. وسوف يلحق استسلام برلين أمام هذه السياسة الضرر بمصالح أوروبا.

إن ماكرون الذي استقبل عمليات تركيا العسكرية بسوريا بمقولة “الموت الدماغي لحلف الناتو”، يسعى هذه المرة لرسم الخطوط الحمراء لتركيا شرقي المتوسط. فنظرًا لتراجع الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، يردد ماكرون ادعاء فحواه أن تركيا -باعتبارها قوة إمبريالية إقليمية- تسعى للعودة إلى التصورات القديمة الموجودة في تاريخها، ظنًا منه أننا لسنا على علم بأن فرنسا ليست من دول المنطقة، ولا على علم بتصوراتها الاستعمارية.

إن سياسة ماكرون لاستبعاد تركيا لا تنسجم مع مصالح أوروبا الاستراتيجية، وتخاطر بجر الجناح الجنوب شرقي للناتو إلى حافة الهاوية. فروسيا المتربصة دائما لاستغلال التوتر داخل الحلف الأطلنطي تتحين الفرصة للانقضاض. بهذا المعنى؛ يعزز ماكرون من موقف روسيا شرقي المتوسط بعدما فعل الأمر نفسه في ليبيا.

إن عجز الساسة الأوروبيين عن رؤية أن استبعاد تركيا من الحلف الغربي والاتحاد الأوروبي لا يفيدهم، هو غياب تام للعقل. واستسلام للمصالح الأنانية الضيقة.

إن ماكرون الذي وبخ صحفيًا تحدث عن لقائه مسؤولًا من حزب الله بلبنان واصفًا إياه بعديم المسئولية، يجر المصالح الاستراتيجية الأوروبية إلى الخطر.

أليس في عواصم أوروبا من الساسة من يقول ذلك لماكرون في وجهه؟ هل تُرك ذلك أيضًا لأردوغان؟

[نُشر بالتركية في جريدة صباح في 4 سبتمبر 2020] 

تسميات