f مكافحة تركيا تنظيم PKK الإرهابي وانعكاساتها الإقليمية | الاستراتيجية | SETA مكافحة تركيا تنظيم PKK الإرهابي وانعكاساتها الإقليمية – SETA

مكافحة تركيا تنظيم PKK الإرهابي وانعكاساتها الإقليمية

تحتفظ تركيا والعراق بآليات تعاون مشتركة في تنفيذ العمليات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية، ومع ذلك فوجود "مركز عمليات مشتركة" يمكن أن يزيد من فاعلية التنسيق المشترك، ويُسهّل على قوات الأمن التركية والعراقية تبادل دعم. ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تنفيذ عمليات مشتركة بين القوات التركية المتمركزة في العراق، والأجهزة الأمنية العراقية وقوات البيشمركة.

رغم حساسية الموقف الأمني، فإن العراق ليس مجرد منطقة أمنية بالنسبة لتركيا، بل إن تركيا ترى أن التفاعل على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي شيء لا يقل أهمية عن المستوى الأمني.
انتقلت تركيا إلى مرحلة جديدة في كفاحها المستمر منذ أكثر من أربعة عقود ضد تنظيم PKK الإرهابي، بعد أن أعلن مجلس الأمن القومي العراقي تنظيم PKK الإرهابي تنظيماً محظوراً في العراق، وذلك تتويجاً لجهود دبلوماسية حثيثة قادتها أنقرة.

التطورات التي أدت إلى هذا القرار ليست مقتصرة على حراك تركيا لمواجهة التنظيم الإرهابي، بل لها أبعادٌ اجتماعية واقتصادية وسياسية، أخْذها في الاعتبار يساعد على التنبؤ بموقف بغداد من تنظيم PKK الإرهابي والإجراءات التي ستتخذها حياله، والمسار المحتمَل للتطورات الإقليمية لاحقاً، بالإضافة إلى الموقف المشترك الذي من شأنه في نهاية المطاف أن يجعل من هذا التنظيم الإرهابي تنظيماً هامشياً في العراق وعلى الساحة الإقليمية.

ما الدوافع وراء قرار بغداد الأخير؟

الدافع الأول وراء التغيير في موقف بغداد يرجع إلى التهديد الذي يشكّله تنظيم PKK الإرهابي على وحدة وسلامة الأراضي العراقية، خصوصاً بعد تعزيز وجوده ليصبح خطره مشابهاً لخطر تنظيم داعش الإرهابي؛ فبعد ظهور داعش بدأ تنظيم PKK الإرهابي في السعي إلى شرعنة نفسه، وبات لديه وجود متنامٍ ممتد من الحدود التركية حتى مخيم مخمور، ومن جبال قنديل إلى سنجار.

لم تتعامل الحكومة العراقية المركزية طيلة السنوات الماضية مع خطر التنظيم الإرهابي. هذا الأمر تغير بعد أن أصبحت قوات الأمن العراقية أكثر قوة، وخلصت إلى أن تنظيم PKK الإرهابي هو النسخة “الماركسية” من تنظيم داعش الإرهابي، وليس من الصواب بقاؤه نشطاً على الأراضي العراقية.

واقع سوريا

الاعتبار الثاني للعراق، يتعلق بالدعم المستمر الذي يتلقاه تنظيم PYD/PKK الإرهابي والذي يُمكّنه من تعزيز وجوده في سوريا، خصوصاً الدعم القادم من الولايات المتحدة الأمريكية. الأمر الذي دفع العراق إلى التفكير جدياً في الاحتمالات التي قد تدفع تنظيم PKK الإرهابي للعب الدور نفسه في العراق، عندما تصل القدرات التي تقدمها الولايات المتحدة إلى مستويات متقدمة.

وبعبارة أخرى، فإن انتشار تنظيم PKK الإرهابي في جميع أنحاء العراق وسوريا قد يجعله خارج نطاق السيطرة، وبالنظر إلى الدعوات التي أطلقها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، للجنود الأمريكيين لمغادرة البلاد، فمن غير الممكن التنبؤ بخطوات الولايات المتحدة المقبلة تجاه التنظيم PYD/PKK الإرهابي في العراق وسوريا.

التنمية

الاعتبار الثالث للعراق يتعلق بطموحاته التنموية وتطوير الاقتصاد وقطاع الخدمات، لا سيما أن المظاهرات الشعبية التي شهدتها المدن العراقية، وتحديداً بغداد والبصرة خلال السنوات الماضية، ما زالت حاضرة في الذاكرة السياسية للعراقيين.

ويتطلع العراقيون إلى تنفيذ مشاريع ومبادرات تنموية تؤدي هذا الغرض، وتحديداً مشروع “طريق التنمية” الذي يهدف لتحويل العراق إلى نقطة ربط ما بين دول الخليج مع أوروبا عبر تركيا من خلال خط “البصرة-سيلوبي”.

ويعتمد نجاح هذا المشروع على تحقيق الاستقرار الأمني في العراق الذي يلعب تنظيم PKK الإرهابي دوراً في زعزعته، ما يعني أن التعاون التركي-العراقي أصبح ضرورة ملحّة ليس فقط في المجال الأمني، بل في مجالات الاقتصاد والطاقة والنقل والتجارة.

الديناميكيات المتعلقة بحكومة إقليم شمال العراق

ليس سراً أن العلاقة ما بين حكومة إقليم شمال العراق والحكومة المركزية في بغداد يشوبها التوتر، وتحديداً في ملف تصدير النفط وتقاسم عوائده ما بين الإقليم والحكومة المركزية، اللذين ينظران بإيجابية إلى الدور التركي في حل هذه الإشكالية وعودة تدفق النفط مرة أخرى.

من ناحية أخرى، تمثل الصراعات البينية في إقليم شمال العراق بين حزب KDP وحزب PUK في السليمانية، واستخدام الأخير تنظيم PKK الإرهابي في هذه الصراعات، تحدياً خطيراً للحكومة المركزية في بغداد التي تعمل على خلق أجواء إيجابية مع إقليم شمال العراق.

وفي الوقت الذي يُخرج فيه تنظيم PKK الإرهابي من المعادلة، يمكن استعادة التوازن بين الطرفين، ما يعني تمكين حكومة بغداد من إدارة علاقاتها السياسية مع مكونات الإقليم بصورة أكثر فاعلية، وهو ما يفيد رئيس الوزراء العراقي الحالي وسياسته تجاه الإقليم.

في المقابل، وفي حال استمر بافل طالباني في دعم تنظيم PKK الإرهابي، فإنه وحزبه قد يكون عرضة لتلقي أضرار كبيرة تؤثر على موقعه في الحياة السياسية العراقية، بعد أن أعلنت تركيا موقفها الثابت تجاه تعاون حزبه مع تنظيم PKK الإرهابي.

موقف إيران

تؤثر طهران بقوة في المشهد العراقي من بوابة علاقتها مع قوات الحشد الشعبي العراقي، ولسنوات طويلة سيطرت طهران على حزب PUK في السليمانية، لكنّ الحزب بدأ في الفترة الأخيرة بتبنى موقفاً “أمريكياً”.

إيران بدورها بدأت بالتردد حيال التنظيم الإرهابي بعد الدعم الذي حصل عليه وفروعه في سوريا من الولايات المتحدة الأمريكية.

وحتى هذه اللحظة لم تُظهر إيران موقفاً واضحاً من التطورات الجديدة، وما زالت تقيّم انعكاسات الاتفاق على التطورات الإقليمية.

استراتيجية تركيا

إن سياسة أنقرة في العراق تسير على خط واضح، فتركيا لا تريد للإرهاب الذي تعدّه مشكلة مصيرية، أن يجد أرضاً له في العراق، وهي تريد تحقيق هذه الغاية من خلال التعاون مع العراق الذي يتبوأ موقعاً رائداً في مكافحة الإرهاب.

وبادئ ذي بدء، من الضروري منع تنظيم PKK الإرهابي من العمل بحرية داخل الأراضي العراقية، والحيلولة دون تحرك عناصره بحرية في المنطقة من جبال قنديل إلى سنجار، ومن مخمور إلى هاكورك، بالإضافة إلى منعهم من بناء قواعد دائمة والعمل بحرية في المدن العراقية، وفي هذا الإطار من الممكن أن يكون لتركيا مساهمات فنية لرفع كفاءة القوات المسلحة العراقية.

وتحتفظ تركيا والعراق بآليات تعاون مشتركة في تنفيذ العمليات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية، ومع ذلك فوجود “مركز عمليات مشتركة” يمكن أن يزيد من فاعلية التنسيق المشترك، ويُسهّل على قوات الأمن التركية والعراقية تبادل دعم. ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تنفيذ عمليات مشتركة بين القوات التركية المتمركزة في العراق، والأجهزة الأمنية العراقية وقوات البيشمركة.

ورغم حساسية الموقف الأمني، فإن العراق ليس مجرد منطقة أمنية بالنسبة لتركيا، بل إن تركيا ترى أن التفاعل على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي شيء لا يقل أهمية عن المستوى الأمني.

تعود جذور تنظيم PKK الإرهابي إلى الفهم الماركسي الذي ظهر خلال الحرب الباردة، الذي يشكّل قطيعة مع الديانة والقومية، وفي أيٍّ من البلدان التي ظهرت فيها هذه التنظيمات فإنها شكَّلت تهديداً على أمنها واستقرارها، كما هو الحال في العراق.

وبالنظر إلى أن استقرار وأمن العراق وتركيا مترابطان، فمن المؤكد أن الفترة المقبلة سوف تشهد اتخاذ خطوات قوية نحو التنمية الإقليمية ومكافحة الإرهاب.

تسميات