f لماذا تريد تركيا مقاتلات “إف-16″؟ | السياسة الخارجية | SETA لماذا تريد تركيا مقاتلات “إف-16″؟ – SETA

لماذا تريد تركيا مقاتلات “إف-16″؟

بعد أحداث قطاع غزة، يبدو أن الصراعات الحالية يمكن أن تمتد إلى مناطق أوسع، ما يعني أن القوة الجوية يجب أن تكون قادرة على الوصول والتأثير بشكل رادع ضد أي من التهديدات في أي مكان، هذا الأمر يجعل من الضروري لتركيا أن تحافظ على جاهزية قواتها الجوية، في مواجهة التنظيمات الإرهابية المحيطة والتهديدات التقليدية.

صار من الضروري لتركيا العمل على تطوير واقتناء طائرات مقاتلة جديدة، بعد أن أُخرجت من برنامج تصنيع طائرات الجيل الخامس “F-35″، بحجة اقتنائها منظومة الدفاع الجوي الروسية “S-400”. حاولت أنقرة تجاوز هذا التحدي عبر تطوير مقاتلة محلية من الجيل الخامس، ولكن من أجل إدارة المرحلة الانتقالية لحين إنجاز البرنامج اشترت أنقرة أجيالاً جديدة من طائرات “F-16″، وتحديث جزء من الموجود في أسطولها.

وتتضمن عمليات شراء المنتجات الدفاعية والأسلحة مجموعة من الاعتبارات والمعايير، التي يمكن تلخيص أهمها: طبيعة التهديدات، والقدرات المطلوب تحصيلها من هذا المنتج، والاعتبارات المالية وأخيراً الاعتبارات السياسية. وفي هذا المقال، سنعمل على قراءة صفقة طائرات F-16 من خلال هذه الاعتبارات والعوامل.

التهديدات والقدرات المطلوبة

بفضل البدائل الفعالة والرخيصة صار بإمكان أي من الجهات غير الحكومية أن تكون في صراعات ضد الحكومات والدول، التي وجدت نفسها في مواجهة تحدي الجيوش النظامية والمنظمات غير الحكومية. ما استلزم منها العمل على التسلح الرأسي، الذي تبرز فيه أهمية القوات الجوية والطائرات دون طيار.

تواجه تركيا تهديدات عدة، نظراً للأزمات والصراعات المحيطة، فبينما تستمر الحروب التقليدية مثل تلك في أوكرانيا وقره‌ باغ من جانب، تسود الاشتباكات غير المنتظمة في العراق وإيران وسوريا من جانب آخر.

وبعد أحداث قطاع غزة، يبدو أن الصراعات الحالية يمكن أن تمتد إلى مناطق أوسع، ما يعني أن القوة الجوية يجب أن تكون قادرة على الوصول والتأثير بشكل رادع ضد أي من التهديدات في أي مكان، هذا الأمر يجعل من الضروري لتركيا أن تحافظ على جاهزية قواتها الجوية، في مواجهة التنظيمات الإرهابية المحيطة والتهديدات التقليدية.

وفي هذا الإطار تعتبر الطائرات دون طيار عنصراً فاعلاً، لكنها وحدها قد لا تكون كافية، ما يعزز حاجة تركيا إلى امتلاك أسطول من الطائرات المقاتلة المتطورة.

القدرات المتوقع اكتسابها

تحتاج القوات الجوية التركية إلى نوع من الطائرات التي يمكنها القتال والاشتباك “جو-جو”، وتسهم في محاربة الإرهاب، وتوفر القدرة على استخدام القوة بشكل محدد في الأزمات ذات الوتيرة المنخفضة على جبهتها الغربية. بمعنى آخر، يجب على تركيا أن تنتج أو تقتني طائرات قادرة على تنفيذ مهام مختلفة، وذلك طبعاً بناءً على القيود المالية.

وتُعتبر الطائرات بمثابة منصة تكتيكية، لذا تجب مراعاة أن تكون الاختيارات منها تناسب المطلوب تحميله من ذخائر ومستشعرات القادرة على تنفيذ المهام المطلوبة.

وفي هذا الإطار، توفرت لتركيا مجموعة من الخيارات التي تمكنها تلبية هذه الاحتياجات كالطائرة الأوروبية “يوروفايتر تايفون”، والروسية “سوخوي سو-35″، أو السويدية “ساب جاس-39 غربين”، بالإضافة إلى المقاتلة “F-16” التي وقع عليها الاختيار.

يجب أيضاً التطرق إلى الخطوات الوطنية التي اتخذتها تركيا في صناعة الطيران، منذ سنوات مضت وتركيا تسعى لتطوير طائراتها الخاصة. وجرى تنفيذ الخطوة الأولى في هذا الاتجاه من خلال طائرة “HÜRKUŞ” التي يمكن استخدامها لتدريب الطيارين وطائرة “HÜRJET” ذات المحرك النفاث.

وبعد خروج تركيا من برنامج “إف-35″، جرى تسريع إنتاج طائرة “TFX” من الجيل الخامس، وتحديث طائرة “HÜRJET” لتكون بديلاً لطائرة “إف-16″، بالإضافة إلى دورها باعتبارها طائرة تدريبية في مواجهة الحظر غير المعلن من الدول الغربية.

لكن العقبات الكبيرة في صناعة الطائرات الحربية، المتمثلة في المحركات والبرمجيات، أدت إلى تحديات حقيقية، وهنا بدأ القطاع الخاص وشركة “TUSAŞ” وشقيقتها شركة المحركات التركية “TEI”، العمل على تطوير محركات وصواريخ محلية، كما جرى تجاوز مشكلة البرمجيات من خلال مشروع “ÖZGÜR”.

بعبارة أخرى، عندما يتعلق الأمر بإنتاج محركات الطائرات والصواريخ، فإن تركيا تجاوزت هذه التحدي، كما لم تعد تواجه مشكلة حقيقية في برمجيات الطيران، ما يجعلها مصممة على إنتاج طائرتها الوطنية.

وحتى بدء الإنتاج الواسع في قطاع الطيران الوطني، فمن الضروري تنفيذ عمليات شراء جاهزة في الفترة الانتقالية، وفي هذا الإطار مُنحت الأولوية للحصول على “إف-16” لتلبية هذه الحاجة، ومع ذلك فقد جرى البحث عن بدائل للطائرات بسبب عدم الثقة بالولايات المتحدة.

الاعتبارات مالية

لا تقتصر التكلفة المالية على شراء الطائرة، بل تمتد إلى تكلفة الصيانة وقطع الغيار، وإصلاح الأعطال، وسلاسل التوريد وغيرها.

ومنذ عام 1986 أنشأت تركيا نظاماً لوجستيّاً ممتازاً لطائرات “إف-16” التي حصلت عليها من خلال عمليات شراء جاهزة أو من خلال التجميع، ما يخفض أي تكلفة مالية لشراء الطائرة، بعد أن يجري إدماجها في نظام اللوجستيات القائم.

نقطة أخرى تخص التكلفة، التي تترتب على تدريب الطيارين، وفي حالة الطائرة “F-16” فإن الطيارين الأتراك لن يحتاجوا إلى التدرب عليها مجدداً، ما يجعل خيار شراء طائرات “F-16” الأرخص لتركيا.
مع ذلك، يحمل هذا الخيار خطراً وتحدياً يتمثل في الاعتماد على مصدر واحد مثل الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل تجربة تركيا السيئة مع الولايات المتحدة بعد أن جرى إقصاؤها من برنامج طائرات “F-35”.

ونظراً إلى أن تركيا وصلت إلى مرحلة مهمة في مشاريع الطائرات الوطنية، مثل “HÜRKUŞ” و”HÜRJET” وطائرات الجيل الخامس “TFX”، التي أُطلق عليها اسم “KAAN”، ومن المتوقع إدراجها في الجيش اعتباراً من عام 2028، يمكن القول إن طائرات “إف-16” ستكون فعالة من حيث التكلفة خلال الفترة الانتقالية.

الاختيارات السياسية

تتخذ كل دولة اختياراً سياسيّاً في عمليات شراء الأسلحة، فمن الضروري أن تكون على توافق مع الدولة التي تشتري الأسلحة منها. وعلى الجانب الآخر، يمكن أن تؤدي عمليات شراء الأسلحة أيضاً إلى إنشاء تبعية، لذا يجب عدم وجود حالة من عدم الثقة بالدولة التي تستورد منها المنتجات الدفاعية.

تاريخ العلاقات التركية الأمريكية حافل بفترات المدّ والجزر على مدى 60 عاماً، وتمثل “الرسالة” التي أرسل بها الرئيس الأمريكي ليندون جونسون عام 1964 رمزاً لتراجع العلاقات، في حين كان وجود الجنود الأتراك في الصراعات التي تدخلت فيها الولايات المتحدة رمزاً لتطور العلاقات.

بعد قضية “إف-35” قد يكون توريد “إف-16” إلى تركيا حلّاً منطقيّاً، لكن من الصعب تأكيد تجاوز أزمة الثقة، ومع ذلك فإن توريد “إف-16” يعتبر خطوة مهمة، على الأقل للحفاظ على العلاقات بين البلدين على مسار قابل للاستمرار.

وعند مراعاة الأزمات المحيطة بتركيا والتأثيرات السلبية في مصالح الولايات المتحدة، يمكن أن تكون النتائج السياسية لهذه التجارة إيجابية بالنسبة للولايات المتحدة وتركيا معاً، لذلك تجب قراءة بيع “إف-16” على أنه بداية لفترة جديدة للعلاقات التركية-الأمريكية، وهو توقع متفائل نعم، لكنه واقعي كذلك.

تسميات