إلى أي مدى سيصل التوتر شرقي المتوسط؟

إذا كانت اليونان قد تحولت من لاعب في هذه القضية، إلى مجرد أداة لسياسات الأخرين تجاه تركيا، فهذا يعني أن احتمالية إيجاد حل عقلاني للأزمة عن طريق المباحثات بين البلدين قد انخفضت بطبيعة الحال.

للإجابة على سؤال “إلى أي بُعد سينتقل التوتر المتزايد في الأونة الأخيرة شرقي المتوسط؟”، ينبغي النظر إلى ماهية أهداف أطراف الأزمة. ولفهم ماهية أهداف كل طرف، لابد أولًا من كشف ماهية كل طرف.

كما هو معلوم؛ هناك العديد من المشكلات المتشابكة في المنطقة، ومن بين أهم تلك المشكلات: مشكلة تحديد مجالات الصلاحية البحرية، والمسألة القبرصية، ومشكلة إسرائيل وفلسطين ولبنان. من بين هذه المشاكل وجدت قضية تحديد وترسيم حدود مجالات الصلاحية البحرية بين تركيا واليونان مكانًا لنفسها، في الأيام الأخيرة، على جدول أعمال تركيا والعالم.عند إلقاء نظرة على ماهية أطراف هذه الأزمة تبرز أمامنا تركيا واليونان للوهلة الأولى كطرفي النزاع الرئيسيين، ولكن يتجلى لنا أن لاعبون آخرون يمثلون جزءًا من المشكلة، بصورة مباشرة.

تُعد فرنسا التي أرسلت مقاتلات واتخذت قرارًا بإرسال حاملة طائرات إلى المنطقة، ونفذت مناورات مشتركة مع اليونان، وأدلت بتصريحات شديدة اللهجة تستهدف تركيا، أحد أهم هؤلاء اللاعبين. بالمثل؛ يبدو أن الاتحاد الأوروبي الذي وضع القضية على جدول أعماله، بعد مساعي خاصة بذلتها فرنسا واليونان وقبرص اليونانية، وهدد بتطبيق عقوبات جديدة على تركيا، إذا لم تقم بالتراجع، يُعد طرف مباشر في الأزمة.

أما الولايات المتحدة الأمريكية، فقد اتخذت قرارًا برفع حظر السلاح عن قبرص اليونانية التي تُعتبر طرف آخر في المشكلة، بينما كان ينبغي عليها لعب دور الوساطة بين حليفي الناتو في مرحلة حساسة تتصاعد فيها التوترات. لذا فإن الإجابة على سؤال “إلى أي مدى سيصل التوتر شرقي المتوسط؟” تتصل بشكل مباشر بالإجابة على سؤال “ماذا تهدف الولايات المتحدة من وراء خطوتها تلك؟” .

الآن دعونا ننظر إلى أهداف كافة هؤلاء اللاعبين..

يبدو سؤال “ما هي أهداف كل من تركيا واليونان؟” كأسهل سؤال يمكن الحصول على إجابة عليه في هذا الموضوع. فكلا البلدين يدعيان الحق في امتلاك جرف قاري في منطقة يُتوقع أن تكون غنية بموارد الطاقة، ووقع كلاهما اتفاقيات ترسيم للحدود البحرية مع الدول الواقعة على السواحل الجنوبية للبحر المتوسط، من أجل تعزيز الحجج الخاصة بكليهما. فقد وقعت تركيا اتفاقًا مع ليبيا، فيما وقعت اليونان اتفاقًا مع مصر.

عند النظر من منظور قانون البحار الدولي؛ نجد أن أطروحات أثينا التي تدعي أن جزرها الموجودة بالمنطقة يجب أن يتولد عنها مجال صلاحية بحري لها، كما هو الحال بالنسبة ليابستها الرئيسية، تبدو ضعيفة، ولكن يمكن القول إن أثينا تهدف من وراء سياستها الجامحة تلك، إلى الجلوس على طاولة المباحثات، وفي جعبتها بضعة أوراق ضغط يمكن الإلقاء بها.  على هذا النحو؛ ربما تكون أثينا طامحة إلى أن تمتلك جزرها الكبيرة نسبيًا كرودس وكريت جرفًا قاريًا، بشكل نهائي.

ولكن علينا أن نبين أن هناك شكوك كبيرة، حول وجود رغبة لدى الأطراف الأخرى في الأزمة، في إيجاد حل للمشكلة بين تركيا واليونان، بالطرق الدبلوماسية، من عدمه. إذ لربما كان من الممكن حل المشكلات بين أثينا وأنقرة على نحو أسهل، إن لم يكن هناك مجال لاستخدام الأطراف المعادية لتركيا في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض البلدان الأوروبية الأخرى، اليونان والمسألة القبرصية كأدوات لسياسة استنزاف الحكومة في تركيا، المُتبعة منذ فترة طويلة.

ولكن إذا كانت اليونان قد تحولت من لاعب في هذه القضية، إلى مجرد أداة لسياسات الأخرين تجاه تركيا، فهذا يعني أن احتمالية إيجاد حل عقلاني للأزمة عن طريق المباحثات بين البلدين قد انخفضت بطبيعة الحال.

في هذه الحالة، ترتبط الإجابة على سؤال “إلى مدى ستصل الأزمة بين اليونان وتركيا شرقي المتوسط؟” بنوعية الخطوات التي ستتخذها الدول التي تقف وراء اليونان كفرنسا، ضد تركيا من خلال هذه القضية، وبالطريقة التي سترد بها أنقرة على ذلك. فإذا كانت تلك الدول تفكر في استغلال هذه القضية للزج بالحكومة في تركيا في مأزق، من خلال عقوبات الاتحاد الأوروبي، فإنها ستسعى بالتأكيد إلى إبعاد أثينا عن طاولة الدبلوماسية، الأمر الذي سيزيد من حدة التوتر.

 

 

تسميات