f الكشف التاريخي | مقالات رأي | SETA الكشف التاريخي – SETA

الكشف التاريخي

سيفتح هذا التطور الذي سيزيد قوة تركيا الإقليمية الأبواب أمام نشأة تركيا أخرى أكثر استقلالية...

زف الرئيس رجب طيب أردوغان في الحادي والعشرين من أغسطس الجاري بشرى اكتشاف حقل غاز طبيعي في البحرالأسود تبلغ احتياطياته 320 مليار متر مكعب، وتمثل هذه البشرى بداية لعهد جديد في مجال الطاقة. ومن الواضح أنّ الاحتياطيات التي وُصفت بأنها “الكشف الأكبر في تاريخ تركيا” ستتراءى آثارها الإيجابية في عدة مجالات، يأتي على رأسها الاقتصاد وأمن الطاقة.

سيفتح هذا التطور الذي سيزيد قوة تركيا الإقليمية الأبواب أمام نشأة تركيا جديدة أكثر استقلالية. فتركيا تستورد الطاقة بحوالي 30 مليار دولار سنويًا حتى في فترات هبوط مستوى أسعار النفط، بينما تصل فاتورة الطاقة الخاصة بها إلى مستوى 60 مليار دولار مع ارتفاع الأسعار، وقد كان هذا الوضع يتسبب في هشاشة الاقتصاد التركي، بينما يتسم هذا الاحتياطي الذي جرى الإعلان عنه بأنّه سيضعف من إمكانية وضع الاقتصاد تحت ضغط بسبب أسعار الطاقة المرتفعة.

لقد أضحى من الواضح أنّ سياسة الطاقة والتعدين الوطنية التي طورتها تركيا تستثير قدراتها، حيث يُلاحظ أنه قد جرى استهداف بناء تركيا جديدة مكتفية ذاتيًا في مجال الطاقة عبر هذه السياسة، ومن الأهداف الهامة التي برزت نتيجة لهذه السياسة بعض العناوين الرئيسية مثل إعطاء الأولوية للطاقة المتجددة، وإقامة محطات طاقة نووية، وقيام تركيا بالبحث والمسح عبر سفن التنقيب الخاصة بها.

هذا وتواصل الشركة المساهمة للنفط التركي TPAO أعمال التنقيب والمسح السيزمي في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، عبر سفن التنقيب العميق والمسح السيزمي الخاصة بها، فيما قطعت شوطًا كبيرًا في مجال التنقيب العميق.

إنّ تركيا التي نفذت حتى اليوم 9 عمليات تنقيب عميق بما تمتلكه من سفن، توصلت إلى الكشف التاريخي عبر الاستراتيجية التي رسمتها وحددتها من قبل في مجال الطاقة والتعدين الوطني. وبفضل هذه الاستراتيجية المُتبعة يُحتمل أن تأتي أخبار مشابهة باكتشافات جديدة في الفترة المقبلة خصوصًا في منطقة شرق المتوسط.

أمن الطاقة

تعتمد تركيا على الخارج بنسبة 99% في مجال الغاز الطبيعي. وستتخلص تركيا من هذه الاعتمادية على الخارج بنسبة كبيرة بالتوازي مع استخراج هذا الاحتياطي. أما اليوم؛ فقد ارتفع أمن الطاقة لتركيا التي تتزود بالغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب من روسيا وإيران وأذربيجان، وعبر سفن الغاز المُسال من قطر والجزائر ونيجيريا.

لقد رأينا أنّ روسيا التي لطالما واجهت تركيا في هذه المنطقة قد أوقفت في السابق تدفق الغاز بسبب التوترات السياسية، ولا تزال واقعة قطع روسيا الغاز الطبيعي المتجه للاتحاد الأوروبي وتركيا بسبب النزاع الروسي-الأوكراني محفورة في ذاكرتنا. إن لامتلاك مصادر الطاقة أهمية حيوية من حيث تجنب إضعاف التطورات التي ستحدث مستقبلًا في إمدادات الغاز لأمن الطاقة التركي.

نتيجة لما سبق؛ نستنتج أنَ احتياطي الغاز الطبيعي المُكتشف في البحر الأسود سيشد من ساعد تركيا في قضية إمدادات الغاز، و سيسهم في تثبيت أقدامها في قضايا عدة.

تأثير الكشف على الاقتصاد

احتياطي الغاز الطبيعي المقدر ب 320 مليار متر مكعب الذي يحمل صفة “الكشف التاريخي” سينعكس بالإيجاب على العجز الجاري لتركيا، فيما يقلل وارداتها. علاوة على ذلك؛ سيوفر الكشف إمكانية هبوط أسعار الطاقة ذات التأثير الهام على مستوى التضخم. وفي حالة هبوط أسعار الطاقة ستتحول تركيا إلى دولة أكثر تنافسية في السوق الدولية، وسينعكس ذلك الوضع على معدلات التوظيف بالإيجاب، لأنه يزيد من الإنتاج. وبناءً عليه؛ فإنّ تركيا جديدة قوية اقتصاديًا ستكون أكثر فعالية سواء في منطقتها أو على الساحة الدولية.

إنّ امتلاك تركيا التي تُعد شريكًا هامًا في مشاريع الطاقة الدولية لمصادر طاقتها سيقوي دورها كلاعب مؤثر في مجال الطاقة. إذ أصبحت تلبية البلدان لاحتياجاتها من خلال إمكانياتها الخاصة على قدر عال من الأهمية، كما لُوحظ في فترة جائحة كوفيد-19. ففي حالة حدوث انكسار في سلاسل إمداد الطاقة يصعب على الدول استدراك هذا الوضع والصمود اقتصاديًا.

سيسرع الكشف التاريخي من تحركات تركيا التكنولوجية، إذ أنّه سيدفع المستهلكين إلى تخفيض الانفاق على الوقود السائل والغاز الطبيعي. ومن البديهي أن الطاقة ستكون هي الفاعل الأهم الذي يسرع ويدعم هذه التحركات.

إن هذا التحول يظهر أنّ عهدًا حلمت به كل الفئات الاجتماعية قد بدأ، ويُعرّف هذا الحلم بأنه تقدم تركيا التي بدأت في إنتاج تكنولوجياتها الخاصة على طريق الاستقلال في مجال الطاقة.

[نُشر بالتركية في جريدة صباح في 22 أغسطس 2020] 

تسميات