f الإرادة في معارك التحرر | مقالات رأي | SETA الإرادة في معارك التحرر – SETA

الإرادة في معارك التحرر

لقد أثبت التاريخ أن الإرادة تلعب دوراً جوهريّاً في مسار تحرر الشعوب، وقد أدركت الشعوب عبر التاريخ أن التخلص من الاحتلال والاستبداد يحتاج إلى توفر إرادة قوية للنضال من أجل الحرية والاستقلال.

لقد أثبت التاريخ أن الإرادة تلعب دوراً جوهريّاً في مسار تحرر الشعوب، وقد أدركت الشعوب عبر التاريخ أن التخلص من الاحتلال والاستبداد يحتاج إلى توفر إرادة قوية للنضال من أجل الحرية والاستقلال.

“لا يمكن لأي قوة في العالم أن تهزم إرادة شعب حر”، لقد قِيلت صيَغ مشابهة لهذه العبارة من كثير من المفكرين والفلاسفة والمناضلين عبر التاريخ، ومن مناطق جغرافية مختلفة، ولقد قالها نيلسون مانديلا وجان جاك روسو ومارتن لوثر كينغ والمهاتما غاندي وغيرهم.

وعلى المستوى الفلسطيني، كانت كلمات الحاج أمين الحسيني “القدس عاصمة فلسطين وستبقى كذلك للأبد”، “تحرير فلسطين هو حقنا الشرعي وواجبنا الوطني، وعهدنا الذي قطعناه على أنفسنا، ولن نتخلى عن فلسطين، والشعب الفلسطيني لن يستسلم ولن يقبل بالظلم والاستبداد”، مجسدة لإرادة الشعب الفلسطيني القوية في مواجهة مشاريع التهويد والاستيطان الصهيوني في أرض فلسطين.

وقد ساعدت أقوال الحسيني هذه وغيره من قادة مشروع التحرُّر الفلسطيني في تحفيز الشباب على الالتحاق بالمقاومة ضدَّ الاحتلال، واستمرار وهج إرادة الشعب الفلسطيني حتى تقرير مصيره.

وفي حديثه عن المستقبل، قال الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس، إن الطريق صعب ويحتاج إلى تضحيات وصبر، لكن المستقبل للفلسطينيين، وترددت كلمته المشهورة في أسماع المقاومين على أرض فلسطين عندما قال إن “طريقنا صعب، المهم ألا تنكسر إرادتنا وعزيمتنا”، إذ أشار الشيخ ياسين إلى العنصر الأهم في معركة التحرير، وهو الإرادة والعزيمة وضرورة عدم انكسارها.

لقد أثبت التاريخ أن الإرادة تلعب دوراً جوهريّاً في مسار تحرر الشعوب، وقد أدركت الشعوب عبر التاريخ أن التخلص من الاحتلال والاستبداد يحتاج إلى توفر إرادة قوية للنضال من أجل الحرية والاستقلال، فالإرادة هي التزام وتصميم على تحقيق الهدف رغم كل الصعاب والتحديات، كما تشكل الإرادة قوة دافعة للتغلب على كل العوائق التي تحول بين الشعب وتحقيق أهدافه.

تركيا وإرادة الاستقلال

إن نماذج التاريخ الممتدة عبر فتراته كلها تشير إلى أهمية الإرادة، فعلى سبيل المثال في منطقة الشرق الأوسط رفض الشعب التركي الاستسلام للاحتلال الأجنبي، وواصل طريقه حتى تحقق الاستقلال، وكانت الإرادة هي المحرك الأساسي للنضال ضدَّ الاحتلال الأجنبي، واستمر نضال الشعب التركي من 1919 حتى 1923 ضدَّ اليونان وأرمينيا وفرنسا وبريطانيا.

وقد قدَّم الشعب التركي خلال معركة الاستقلال تضحيات كبيرة، حيث سقط منه أكثر من 100 ألف شهيد، وقد جسدت إرادة الشعب التركي روح المقاومة في مواجهة الدول المحتلة بشكل قوي، وتمكن الشعب التركي في النهاية من طرد الاحتلال.

الجزائر وإرادة التحرر

ومنذ بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830، واجه الشعب الجزائري الاحتلال بالمقاومة الشعبية بإرادة قوية وصُلبة، واستمرت هذه المقاومة على مدار قرن من الزمن، مجسِّدة إرادة الشعب الجزائري القوية للدفاع عن وطنه.

وقد تمكن الشعب الجزائري في النهاية من نيل استقلاله عام 1962، وذلك بعد ثورة التحرير عام 1954، التي كانت فيها الإرادة التحررية في أعلى مستوياتها.

واستطاع الشعب المحافظة على زخم إرادة التحرير لمدة 8 سنوات، قدَّم خلالها تضحيات بلغت أكثر من مليون ونصف المليون شهيد، وكانت دماء الشهداء محفزة لاستكمال مسيرة التحرير، وفيما كان المحتل الفرنسي يظن أن مزيداً من المذابح والقتل سيكسر إرادة الثورة -مثل المجزرة التي ارتكبها في مدينة سطيف التي ارتقى فيها أكثر من 45 ألف شهيد عام 1945- كانت المجازر تشعل الإرادة أكثر على طريق الاستقلال والتحرير.

وتبين أن إرادة الشعب الجزائري للتحرر من فرنسا كانت إرادة قوية وراسخة، وقد تجسَّدت هذه الإرادة في عديد من الأمثلة، منها المقاومة الشعبية والثورة التحريرية والتضحيات الجسيمة.

وفي هذا السياق، يقول المؤرخ الجزائري محمد سعيد فرحات: “كانت إرادة الشعب الجزائري هي العامل الأهم في نجاح الثورة الجزائرية، فقد أثبت الشعب الجزائري أنه شعب صاحب إرادة قوية، لا يمكن كسرها أو إخضاعها”.

الإرادة وتجربة تحرر جنوب إفريقيا

وفي جنوب إفريقيا، كانت إرادة الشعب ضد نظام الفصل العنصري هي جوهر تأسيس كل حراك واجه الظلم، وقدَّمت جنوب إفريقيا أكثر من 30 ألف شهيد في سبيل الحرية، واستمرت على مدار قرن من الزمن، وضحى زعيمها نيلسون مانديلا بنحو 27 عاماً من حياته في السجن.

ولعل من المناسب هنا أن نشير إلى أحد أقوال مانديلا: “كانت الإرادة هي ما دفعتني إلى محاربة الفصل العنصري، حتى بعد أن سُجنت لمدة 27 عاماً. كانت الإرادة هي ما سمح لي بالتفاؤل بالمستقبل، حتى عندما بدا كل شيء قاتماً. إن الإرادة هي ما يفصل بين الحلم والواقع”، وأوصى مانديلا حركات التحرر والشعوب القابعة تحت الاستعمار بقوله: “تذكروا أنه مهما كانت التحديات، فإن الإرادة هي القوة التي ستقودك إلى النصر”.

وقد جسَّد مانديلا هذه الأقوال بشكل عملي في قيادته المؤتمر الوطني الإفريقي ضد نظام الفصل العنصري، وفي تحقيق المصالحة بين البيض والسود، وانتُخب رئيساً بعد ذلك لجنوب إفريقيا، وزار مانديلا فلسطين عام 1996، وعبَّر عن دعمه القضية الفلسطينية في أكثر من محفل، وكان موقفه مصدر إلهام لأنه كان قائد حركة تحرر.

واليوم تجسدت هذه الإرادة في تقديم جنوب إفريقيا دعوى تتهم الاحتلال الإسرائيلي بارتكاب إبادة جماعية ضد سكان غزة، ووضعت الاحتلال الإسرائيلي علناً في موقف المتهم، ومهما كانت نتيجة وقرارات المحكمة فإن ما فعلته جنوب إفريقيا والدول التي ساندت رفع الدعوى ضد الاحتلال، ينم عن إرادة راسخة بضرورة مكافحة الظلم في أي مكان.

إن الشعب الفلسطيني يستلهم اليوم أكثر من أي وقت مضى دور الإرادة في الصمود والتحرُّر وتحقيق أهدافه الوطنية والمشروعة بالحرية والاستقلال، ويستلهم من تجارب الشعوب التي نالت حريتها وطردت الاستعمار وتخلصت من الظلم.

ولهذا السبب، صمد الشعب الفلسطيني أكثر من 75 عاماً تحت الاحتلال واستعمل كل أدوات المقاومة في مراحل النضال المختلفة، وكان العامل الثابت عندما استخدم الفلسطينيون الحجر والمقلاع ثم الصاروخ والسلاح والمقاومة الشعبية والإضرابات العامة والإضراب عن الطعام في السجون ومسيرات العودة المدنية هو عامل الإرادة.

إن إرادة صاحب الأرض أقوى من إرادة المحتل وأطول نفَساً، لذلك نجد أن المعركة بين المحتل وصاحب الأرض محسومة على المدى الطويل، ولا تؤخر نصرها التام إلا معادلة الإمكانيات المادية المتغيرة.

إن تزايد زخم الإرادة لدى شعب تحت الاحتلال يؤدي إلى استمرار المقاومة، ويؤكد فقدان الاحتلال الشرعية ويزيد مقاربات الانتهاء والاندحار حتى لدى مفكريه ونُخبه، كما أن الإرادة القوية تزيد تضامن ودعم شعوب العالم، وهذا ما أثبته الشعب الفلسطيني خلال تاريخه وخلال العدوان الصهيوني المستمر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

تسميات