من شرفة القصر.. قراءة لأبرز رسائل خطاب نصر الرئيس أردوغان

وجّه أردوغان في خطابه عدة رسائل أساسية، منها رسالة الاحتضان والاستقرار، ورسالة الحل لمشكلات الاقتصاد، والاستمرار في مواجهة المنظمات الإرهابية، ورسالة السعي لإيجاد حلول عملية ومناسبة لملف اللاجئين، والاستمرار في السعي لجعل تركيا مركزاً دولياً للطاقة.

أمام أكثر من 350 ألف مواطن تركي اجتمعوا في ساعة متأخرة بعد إعلان نتائج الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 28 من مايو/أيار خطاب النصر في ساحات المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، ليبدأ دورة رئاسية مدتها 5 سنوات، مسجلاً رقماً تاريخياً لعدد السنوات التي يفوز بها قائد حزب سياسي من خلال انتخابات ديمقراطية.

وجّه أردوغان في خطابه عدة رسائل أساسية، منها رسالة الاحتضان والاستقرار، ورسالة الحل لمشكلات الاقتصاد، والاستمرار في مواجهة المنظمات الإرهابية، ورسالة السعي لإيجاد حلول عملية ومناسبة لملف اللاجئين، والاستمرار في السعي لجعل تركيا مركزاً دولياً للطاقة.

أظهر الرئيس التركي في خطابه معاني الامتنان وبرز باعتباره قائداً لـ85 مليون مواطن، لا لأولئك الذين انتخبوه فحسب، إذ أكد أن الفائز في الانتخابات هو الشعب التركي، وأنه لا يشعر بالاستياء أو الامتعاض من أي أحد حتى أولئك الذين لم يصوتوا له، داعياً الجميع إلى التوحد حول أهداف وأحلام تركيا الوطنية، وترك الخلافات التي سادت في فترة الانتخابات.

وفي ذات الإطار وحول الرابحين والخاسرين في هذه العملية الانتخابية، ذكَّر أردوغان عبر خطابه مرة أخرى بما قاله من قبل: “سنفوز فوزاً لن يخسر فيه أحد”، وأن الشعب التركي بكل أطرافه هو الرابح والديمقراطية هي المنتصرة، وأضاف أن الخاسر الوحيد هم أصحاب السيناريوهات التآمرية على تركيا ومن يتعامل معهم من المنظمات الإرهابية والمرابين، على حد وصفه.

واعتبر أردوغان أن الشعب التركي حدد موقفه في واحدة من أهم محطات الديمقراطية في تركيا، باختيار الوقوف مع مسار مئوية تركيا، وهي رؤية جديدة لتركيا أطلقها الرئيس أردوغان لرفع مكانة تركيا في كل المجالات مع دخول الجمهورية التركية مئويتها الثانية.

من زاوية ثانية لم يفُت الرئيس أردوغان وهو يؤكد قوة الديمقراطية التركية التي برزت في عدة مؤشرات، منها ارتفاع نسبة المشاركة من المواطنين في الداخل والخارج، أن يعرب عن امتنانه للشعب التركي الذي جدد الثقة به وعهد إليه بالرئاسة والقيادة لمدة 5 سنوات أخرى.

داخلياً، وفي تعليقه على نتائج الانتخابات، أشار أردوغان إلى أخطاء الحسابات التي استندت إليها المعارضة، وتراجعها في الانتخابات مقارنة بانتخابات 2018، وإعطاء حزب المعارضة الرئيسي للأحزاب الصغيرة المتحالفة معه عدداً من النواب يقارب 40 نائباً دون الاستفادة من هذه الأحزاب في رفع نسب تأييده.

وكذلك الحال في خطأ اصطفاف المعارضة ودفاعها عن قضايا لا تنسجم مع الإرادة الوطنية.

ومن الجدير بالذكر أن هناك استحقاقاً انتخابيّاً ستخوضه تركيا في الانتخابات البلدية بعد أقل من 9 أشهُر، وسيعمل فيها الرئيس التركي وحلفاؤه على استعادة البلديات الكبرى، وتحديداً في كل من أنقرة وإسطنبول.

ولم يغِب التاريخ عن كلمة أردوغان، إذ ذكر أسماء عدد من الزعماء الذين مثّلوا الديمقراطية في تركيا، وبدأ بكلمات عدنان مندريس في 1950: “كفى، الكلمة الآن للشعب”، وتحدث عن حلم تورغوت أوزال لجعل تركيا عظيمة بشكل حقيقي، وأشاد بتكريس أربكان وتوركيش حياتهما من أجل هذا الهدف، مشيراً إلى أنه سار على هذا الطريق لمدة 21 عاماً على الرغم من كل الفخاخ التي نُصِبَت أمام تركيا. وفي هذا السياق أشار أردوغان إلى الذكرى 570 لفتح إسطنبول، التي تتزامن مع صبيحة فوزه بالجولة الثانية، مؤكداً أنه سيستمر في حمل الراية.

على المستوى الاقتصادي، ومع تذكيره بمساره الاستقلالي في الاقتصاد عن صندوق النقد الدولي وديونه، الذي أتمه في 2013، بدأه بخطوات تواجه التضخم عبر تخفيض سعر الفائدة منذ عدة أشهر، أكد أردوغان منذ اليوم الأول لفوزه في الانتخابات أن الملف الاقتصادي سيكون الأكثر أولوية على طاولة الرئاسة التركية للبدء في حل المشكلات الناجمة عن ارتفاع الأسعار بسبب التضخم.

وفي ذات السياق، يتفق هذا مع الحراك الحثيث لتشكيل إدارة قوية للاقتصاد تعمل على إدارة المرحلة القادمة مع الرئيس أردوغان، وتركز على تصميم اقتصاد قوي في مجال إدارة التمويل والاستثمار والتوظيف الذي يركز على الإنتاج.

ومن المرجح أن تخدم حالة الانسجام بين البرلمان والرئاسة التركية في تعزيز الثقة والاستقرار، وهما مفهومان مهمّان في المجال الاقتصادي، خصوصاً في ما يتعلق بالسمعة الاقتصادية وجذب الاستثمارات الخارجية.

وقد أكد أردوغان هذا المنحى في خطابه بالقول: “سنواصل سياسة الاستقرار، والتخطيط لبناء اقتصاد إنتاجيّ يقوم على أساس الاستثمار وخلق فرص العمل. وسنصمم إدارة مالية تتمتع بسمعة دولية واقتصاد إنتاج موجّه نحو الاستثمار والعمالة”.

وبشّر أردوغان في خطابه بأن تركيا ستتمتع بقوة كبيرة جداً في المشهد الاقتصادي، وستتبوأ مكانتها الصحيحة مع العمل على توفير الإمكانات الإنتاجية المتزايدة في كل مجال، بدءاً من الصناعة ووصولاً إلى الطاقة، بغية تحقيق طفرة اقتصادية جديدة، مشيراً إلى أنه يجري إعادة بناء التوازنات التي اهتزت بفعل التطورات العالمية.

وعلى المستوى الأمني، أكد أردوغان استمرار نهج تركيا في الكفاح ضد المنظمات الإرهابية على الحدود الجنوبية لتركيا، والمضي في استخدام القنوات السياسية والدبلوماسية بفاعلية أكبر مع اللجوء إلى أساليب متعددة بهدف مواصلة إبعاد التنظيمات الإرهابية عن حدود تركيا.

وفي ما يتعلق بملف اللاجئين، أشار أردوغان إلى المطالب الشعبية بضرورة حل موضوع اللاجئين، مذكراً بالخطوات التي جرت من خلال عودة 600 ألف شخص بشكل طوعي إلى المناطق الآمنة في سوريا.

وتحدّث عن ضمان عودة مليون سوري خلال سنوات قليلة، إذ تنفذ تركيا مشروعاً سكنيّاً بالتعاون مع قطر شمالي سوريا، وقد كان بارزاً حديث أردوغان عن العودة الطوعية للاجئين وتلبية مطالب المواطنين بالطرق التي تليق بتركيا وشعبها.

وأخيراً، وفي مجال الطاقة، شدد أردوغان على سعي حكومته إلى تحويل تركيا إلى مركز دولي للطاقة عبر رفع مستوى الاستثمارات في هذا المجال إلى المستوى العالمي بتوسيع البنية التحتية، مشيراً إلى حديثه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن هذا الملف، ومؤكداً نيتهم جعل ولاية تراقيا مركزاً للطاقة.

وفي صورة عكست تماسك التحالف الذي أسسه أردوغان، والذي كان آخر المنضمين إليه سنان أوغان المرشح الثالث في الجولة الأولى، رفع قادة الأحزاب المشاركة بالتحالف أيديهم معاً، يتوسطهم الرئيس أردوغان في صورة تحمل دلالات مهمة، منها صحة خيار هذه الأحزاب بدعم الرئيس أردوغان والانضمام إلى تحالف الشعب، وصحة الاستراتيجية الانتخابية التي عمل عليها تحالف الشعب، التي أولت الهوية والإرادة الوطنية أهمية ولم تغفل العمل على تنفيذ مشاريع عملية تعالج المشكلات والتحديات التي عانت منها تركيا في السنوات الأخيرة.

ومن الواضح من خطاب أردوغان أن الاستقرار والرفاه الاقتصادي للشعب التركي يتربعان على سُلَّم أولويات الرئيس في المرحلة القادمة، كما أن الخطاب أعطى انطباعاً بأن زخماً جديداً حصلت عليه القيادة التركية بتجديد الثقة بها، سينعكس بشكل واضح على الأداء في السياسة الداخلية والخارجية.

تسميات