هل نحن على أعتاب عهد جديد في العلاقات التركية الأوروبية؟

أظهرت تركيا نبتها الجادة في مسألة تغليب الدبلوماسية في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، بينما سيظهر الوقت إلى أي مدى ستلقى هذه النية صدى في أوروبا. ولكن من المهم إلى حد بعيد إقناع الدول الموجودة في المجموعة الثانية والثالثة من قبل أنقرة أو دول الاتحاد الأوروبي الأخرى أو الحيلولة دون تعطيلها لعملية الحوار.

مضى عام 2020 الذي كان مليئاً بالتوترات، ليبدأ عام 2021 بعدد من التطورات الإيجابية بالنسبة لعلاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي. فقد زار وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أنقرة يوم الخميس الماضي، ويتوجه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اليوم إلى بروكسل. كما يُتوقع أن تقوم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بزيارة تركيا نهاية هذا الشهر. إضافة إلى ذلك، تقرر البدء في المباحثات الاستكشافية لبحث المشاكل العالقة بين اليونان وتركيا في الخامس والعشرين من يناير الجاري. وكان الرئيس أردوغان قد عقد مقابلة مثمرة مع فون دير لاين في التاسع من يناير الجاري عبر تقنية الفيديو كونفرانس…

تظهر كل  هذه التطورات أن قنوات الدبلوماسية وآليات الحوار بين تركيا والاتحاد الأوروبي بدأت في العمل مجدداً. حسناً، هل يعيد دخول الدبلوماسية على الخط مجدداً تأسيس العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي على أساس عقلاني من جديد؟

مما لا شك فيه أن التباحث حول المشاكل يعد خطوة مهمة على طريق الحل. ولكن نية الأطراف بخصوص التوصل إلى الحل ستكون من سيحسم إلى أي مدى ستنجح الدبلوماسية.

في هذه الحالة، ستكون هناك نقطتان حاسمتان في مسألة تأسيس العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي على أسس عقلانية من عدمه: الأول هو وجود إرادة لدى الأطراف للوصول إلى حل من عدمه. الثاني هو قابلية حل المشاكل عن طريق الحوار من عدمها.

فلننظر إلى مسألة النية، أي إلى وجود إرادة صادقة لدى الأطراف للوصول إلى حل من عدمه.

بالنظر إلى تركيا التي تعد أحد الأطراف، نجد أن استخدام الرئيس أردوغان عبارة ” إننا نرى مستقبل تركيا في الاتحاد الأوروبي” مراراً وتكراراً في الفترة الأخيرة هو مؤشر على رغبة أنقرة في تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. من الطبيعي أن تغلب تركيا الوسائل الدبلوماسية في حل مشاكلها مع الاتحاد الأوروبي الذي يحتل مكانة هامة جداً في تجارتها الخارجية، ولديها علاقات اقتصادية كثيفة معه، لا سيما في مرحلة تشهد فيها تركيا مشاكل اقتصادية. لا ترغب أنقرة في أن تبرز الخلافات السياسية بصورة تطغى على التعاون الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي، كما تظهر أنها مستعدة للحوار حول حل هذه الخلافات.

أما عن أهم تطلعات تركيا في هذا الطريق فهي أن يحترم الطرف الأخر سيادتها الوطنية. ومن النقاط التي تتسبب في سد قنوات الدبلوماسية في علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي إقدام دول الاتحاد على اتخاذ خطورات تحمل في طياتها تدخل الاتحاد الأوروبي بصورة مباشرة في الشأن الداخلي التركي، وقيام بروكسل باتخاذ مواقف مؤيدة للدول المجاورة لتركيا فيما تخوضه معها من خلافات بصورة غير عادلة وممارسة الضغط عليها.

أما عند النظر إلى وجود إرادة لدى الطرف الآخر ممثلاً في الاتحاد الأوربي لحل المشاكل مع تركيا عن طريق الحوار، فمن الضروري أن نؤكد أن هناك بعض الالتباسات. فبالنظر للمسألة من هذه الزاوية يمكننا أن نصنف دول الاتحاد الأوربي إلى أربع مجموعات:

في المجموعة الاولى هناك دول مثل ألمانيا لديها القوة الكافية لتوجيه الاتحاد الأوروبي، وتنظر إلى تركيا كشريك هام ينبغي التعاون معه بخصوص حل العديد من المشاكل التي تهم أوروبا.  هذه الدول بالرغم من أنها تمر بالعديد من المشكلات مع تركيا من حين إلى آخر، إلا أنها تسعى إلى إقامة علاقات محورها التعاون مع تركيا خصوصاً في مجالي الأمن والاقتصاد.

في المجموعة الثانية هناك دول مثل اليونان ترغب في استخدام الاتحاد الأوروبي كوسيلة للضغط على تركيا في الأزمات الثنائية بينهما، وتغلب سياسة إرغام تركيا على لغة الحوار معها. وكان انضمام دول مثل فرنسا لديها الفعالية الكافية لتوجيه سياسات الاتحاد الأوروبي في الفترة الأخيرة إلى هذه المجموعة هو السبب الأساسي في بروز مفاهيم العقوبات والضغوط بدلاً من الدبلوماسية في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

في المجموعة الثالثة هناك دول مثل النمسا وهولندا وبلجيكا تدافع عن تدخل الاتحاد الأوروبي في شؤون الدول الموجودة في محيط الاتحاد الأوروبي، متذرعين بمفاهيم الديموقراطية وحقوق الإنسان. احتضان تلك الدول لجاليات ضخمة من المواطنين ذوي الأصول التركية وتمكن القطاعات المعادية لحزب العدالة والتنمية في هذه الجاليات من الظهور في الاعلام والحياة السياسية في الدول الأوروبية التي يتواجدون بها يؤدي إلى إظهار صورة تركيا بشكل سلبي في الدول المذكورة. لهذا السبب، ليس سهلاً أن يبرز في هذا النوع من دول الاتحاد الأوروبي رأي يدعو إلى إدارة العلاقات مع تركيا عبر الحوار .

في المجموعة الرابعة توجد دول مثل بلغاريا والمجر وإسبانيا تدافع عن ضرورة الإبقاء على القنوات الدبلوماسية مع تركيا مفتوحة دائماً. هذه الدول تؤيد بشكل عام أن تسير العلاقات مع تركيا على أساس من الاحترام المتبادل للسيادة الوطنية، والتعاون الاقتصادي.

أظهرت تركيا نبتها الجادة في مسألة تغليب الدبلوماسية في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، بينما سيظهر الوقت إلى أي مدى ستلقى هذه النية صدى في أوروبا. ولكن من المهم إلى حد بعيد إقناع الدول الموجودة في المجموعة الثانية والثالثة من قبل أنقرة أو دول الاتحاد الأوروبي الأخرى أو الحيلولة دون تعطيلها لعملية الحوار.

تسميات