هل كان عام 2020 استثنائياً لتركيا؟

لا خلاف على أن عام 2020 كان عاماً صعباً على كل دول العالم، ولكنه بالنسبة إلى تركيا كان عاماً استثنائياً، ويمكن لبعض الخبراء الجزم بأن المتابعين للشأن التركي قد أصيبوا بالإرهاق من كم القضايا والتطورات التي حصلت على مستوى السياسة الداخلية والخارجية.

لا خلاف على أن عام 2020 كان عاماً صعباً على كل دول العالم، ولكنه بالنسبة إلى تركيا كان عاماً استثنائياً، ويمكن لبعض الخبراء الجزم بأن المتابعين للشأن التركي قد أصيبوا بالإرهاق من كم القضايا والتطورات التي حصلت على مستوى السياسة الداخلية والخارجية.
فيوجد تعامُل تركيا مع أزمة فيروس كورونا، وتفاعلات الأحداث في شرق المتوسط وفي ليبيا و”قره باغ” بالإضافة إلى سوريا والعراق، فضلاً عن حدث أيا صوفيا التاريخي، واكتشاف الغاز في البحر الأسود، وغيرها من الأحداث الكبيرة التي انخرطت بها تركيا في 2020.

أزمة فيروس كورونا

لقد كان أبرز قضايا العام هي قضية فيروس كورونا كأزمة صحية بتداعيات اقتصادية واجتماعية هائلة غطت كل مجالات الحياة تقريباً، وقد عملت تركيا على التعامل بحكمة مع أزمة كورونا منذ بدايتها، بل وسعت لتحويل المحنة إلى منحة بأكثر من طريقة.

وفي البداية من المهم أن نشير إلى أن أزمة كورونا غطت على أحداث مهمة وقعت قبل أيام من انتشار الفيروس بشكل جعل هذه الأحداث شبه منسية، فعلى سبيل المثال لم تعد تغطية تفاعلات المعارك في إدلب بين تركيا والنظام السوري وروسيا، التي راح ضحية إحدى غارات النظام فيها بطائرة روسية 33 عسكرياً تركياً في مطلع مارس/آذار 2020 ليأتي بعد ذلك بأيام اتفاق وقف لإطلاق النار في 5 مارس/آذار، حاضرة في الصحف والإعلام التركي.

لقد جرى تشخيص أول حالة في تركيا في 11 مارس/آذار 2020، وقد تعاملت تركيا مع الأزمة بهدوء واستعداد فساعدتها بنيتها الصحية والتدابير التي اتخذتها على تجاوز الأزمة بالحد الأدنى من الضرر.

كما افتتحت عدداً آخر من المشافي في وقت قياسي، وأعادت أكثر من 100 ألف مواطن تركي من 141 دولة. كما أرسلت مساعدات طبية إلى 156 دولة و11 منظمة دولية، في ظل تنافس بعض الدول الأوروبية المتقدمة على احتكار المستلزمات الطبية، مما جعل تركيا تبرز في مجال الدبلوماسية الإنسانية التي كانت قد ركزت عليها في السنوات الأخيرة السابقة أيضاً.

وعلى الرغم من إغلاقات أزمة كورونا وتنظيم تركيا ومشاركتها في العديد من الفاعليات الدولية عبر وسائط التواصل عن بعد، فإن الرئيس التركي زار خلال الأزمة 12 بلداً،كما زار وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو أكثر من 30 بلداً خلال 2020.

بشريات وانتصارات

لقد شهد 2020 أحداثاً تاريخية بالنسبة إلى تركيا فقد جرى الإعلان عن افتتاح أيا صوفيا كجامع من جديد في 24 يوليو/تموز 2020 بعد بقائه أكثر من 80 عاماً متحفاً.

وقد خرج مئات الآلاف من الأتراك إلى ساحة أيا صوفيا لصلاة الجمعة مُرحِّبين بهذا القرار الذي اعتُبر مؤشراً على السيادة الوطنية لتركيا، وهو الأمر الذي ارتفعت بسببه شعبية الرئيس أردوغان بتلك الفترة. ومع مطلع 2021 صرح الرئيس بأن “افتتاح أيا صوفيا كان درة تاج أحداث 2020”.

وبعد افتتاح أيا صوفيا للصلاة بأقل من شهر وتحديداً في 21 أغسطس/آب 2020 وهو زمن قياسي بكل المعايير، زف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشرى جديدة للشعب التركي تمثلت في اكتشاف 320 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في حقل للغاز بالبحر المتوسط إذ جرى الاكتشاف بإمكانات محلية ومن خلال سفن مملوكة لتركيا بعد فترة قليلة من بدء التنقيب.

وبعد ذلك بشهرين جرى اكتشاف 85 مليار متر مكعب أخرى لنفس المكان ليصبح مجموع ما اكتشف 405 مليارات متر مكعب. وعلى الرغم من أن الكمية المكتشفة ليست ضخمة نسبياً إلا فستكون كافية لسد احتياج تركيا من الغاز لعدة سنوات مما سيساهم في دعم اقتصادها ويوفر عليها مبلغاً كبيراً كانت تنفقه على مصادر الطاقة.

شرق المتوسط

مع نهاية 2019 وبداية 2020 كانت تركيا قد دشنت اتفاقية تفاهم أمنية وأخرى في المجال البحري مع حكومة الوفاق، ما أربك الجبهة الكبيرة المناوئة لتركيا شرق المتوسط وألزم تركيا بالوقوف خلف الحليف الليبي، ومع تقدم الأيام أثبت توجُّه تركيا الحاسم لدعم حكومة الوفاق نجاحه بعد دحر هجوم قوات حفتر على طرابلس وقد تابع العالم تحرير قاعدة الوطية الجوية غرب طرابلس في مايو/أيار 2020 ثم دفع قوات حفتر إلى ما بعد سرت، ولم تتحرك تركيا وحدها فعملت على التواصل مع معظم جيران ليبيا سواء الجزائر وتونس ومالطا بل وشهد التنسيق مع مصر رغم التوتر، وقد أعادت هذه التطورات الزخم من جديد للحوار السياسي، وقد أكد المسؤولون الليبيون وعلى رأسهم رئيس المجلس الأعلى خالد المشري أن دور تركيا كان أساسياً بدحر هجوم حفتر على طرابلس.
لقد كانت أجندة تركيا مكتظة بالأحداث المرتبطة بشرق المتوسط خلال عام ،2020 ولو اكتفينا بذكر الكلمات المفتاحية لعناوين هذه الأجندة لاحتجنا إلى عدد أكبر من السطور، وعلى سبيل المثال خاضت تركيا في مواضيع حقوق الجرف القاري مع اليونان، والتنقيب مع قبرص، والمواجهة مع مهمة إيريني مع الاتحاد الأوروبي، والتوتر العسكري البحري في إيجة وشرق المتوسط، وإخطارات نافتيكس، وعقوبات الاتحاد الأوروبي، والمحادثات التركية اليونانية، وإبحار السفن التركية ورسوها. وقد حفظ المتابعون أسماء السفن التركية مثل أوروتش رئيس وفاتح ويافوز وبارباروس.

العالم التركي

لم تكن اهتمامات تركيا منصبة على منطقة الشرق الأوسط فحسب بل كان لها دور مهم في أماكن أخرى، وبالنظر إلى منطقة القوقاز فقد أمّنت تركيا لنفسها مكانة جديدة، وعززت حضورها لدى العالم التركي هناك في تطبيق عملي لشعار “دولتان وشعب واحد” من خلال دعمها السياسي والعسكري لأذربيجان بعملية تحرير قره باغ التي بدأت في 27 سبتمبر/أيلول 2020 واستمرت 6 أسابيعتقريباً، وانتهت بوقف إطلاق نار لعبت تركيا بتحقيقه دوراً مهماً مع روسيا في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، واعتُبر انتصاراً لأذربيجان أنهت به 30 عاماً من الاحتلال الأرميني لأجزاء كبيرة في الإقليم، وقد كانت مشاركة الرئيس التركي في احتفالات انتصار قره باغ في باكو رسالة حول أهمية الدور الذي لعبته تركيا وستلعبه لاحقاً بالمنطقة إذ أكد أردوغان في احتفال باكو أن “تركيا وأذربيجان ستواصلان التغلب على الصعوبات وتحقيق النجاحات ما دامتا تقفان جنباً إلى جنب”. ولفت إلى أن “تحرير أذربيجان أراضيها من الاحتلال لا يعني انتهاء النضال”.

العقوبات والضغوط والاتفاقيات

لم تترك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سنة 2020 تنتهي حتى فرضت واشنطن في 14 ديسمبر/كانون الأول عقوبات على تركيا وتحديداً مؤسسة الصناعات الدفاعية بسبب انخراطها في صفقة S-400 مع روسيا، كما فرض الاتحاد الأوروبي قبل ذلك بأيام قليلة عقوبات على تركيا بسبب عملياتها للتنقيب شرق المتوسط. وفي سياق آخر تعرضت تركيا خلال العام لعقوبات ومقاطعة غير معلنة من عدد من الدول الخليجية التي تتضارب سياساتها مع السياسة التركية.

وفي سياق آخر وقَّعت تركيا العديد من الاتفاقيات كان آخرها اتفاقية التجارة الحرة مع بريطانيا في ديسمبر/كانون الأول 2020، فضلاً عن اتفاقيات كبرى كان أبرزها مع قطر وأوكرانيا والعراق وليبيا وباكستان وكانت في معظمها اتفاقيات في المجال الاقتصادي ومجال الصناعات العسكرية.

من دون التطرق إلى السياسة الداخلية التي شهدت أحداثاً كبيرة أيضاً مثل زلزالَي إزمير والعزيز وسيول مدينة غيرسون، فقد تعاملت القيادة التركية مع قضايا معقدة ومتشابكة وواسعة وكثيفة على مستوى السياسة الخارجية خلال 2020 تجاوزت بعضها ولا يزال بعضها مستمراً، ما يشير إلى أن تداعيات 2020 ستستمر في 2021 الذي سيشهد زخماً جديداً وتفاعلات وربما فرصاً أفضل لتركيا.

تسميات