معركة المحكمة العليا في انتخابات الرئاسة الأمريكية

ربما تكون انتخابات الرئاسة الأمريكية التي ستُعقد في الثالث من نوفمبر المقبل مرشحة لأن تكون الانتخابات الأكثر استثنائية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد تغيرت التوازنات الانتخابية في لحظة، بسبب الإدارة بالغة السوء لأزمة فيروس كورونا، الذي أتى في فترة كانت فيها معدلات البطالة والنمو الاقتصادي جيدة للغاية.

ربما تكون انتخابات الرئاسة الأمريكية التي ستُعقد في الثالث من نوفمبر المقبل مرشحة لأن تكون الانتخابات الأكثر استثنائية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد تغيرت التوازنات الانتخابية في لحظة، بسبب الإدارة بالغة السوء لأزمة فيروس كورونا، الذي أتى في فترة كانت فيها معدلات البطالة والنمو الاقتصادي جيدة للغاية. فيما ساهم اتضاح مدى تفشي عنف الشرطة، كانعكاس للتمييز العنصري الممنهج ضد المواطنين السود، في جعل المسألة العرقية أحد البنود الرئيسية على جدول أعمال فترة الدعاية الانتخابية. الاحتجاجات المناهضة للعنصرية كذلك شهدت مشاركة واسعة، ودفعت بايدن لاختيار كامالا هاريس كنائبة للرئيس. فيما خلقت قضية شغل منصب روث بادر غينسبروغ القاضية بالمحكمة الدستورية الذي شغر على إثر وفاتها ما يشبه “العاصفة المثالية”.

بلغ انخفاض الثقة حيال المؤسسات السياسية في الولايات المتحدة أشده، ووصل الاستقطاب أقصى حدوده. حيث تعمق الاستقطاب السياسي منذ فوز الرئيس ترامب بالانتخابات الرئاسية عام 2016، بما حققه من تفوق في عدد أصوات المجمع الانتخابي بالولايات “المتأرجحة”، بالرغم من خسارته أمام هيلاري كلينتون من حيث المجموع الكلي لأصوات الناخبين.  لن يكون من المبالغة أيضاً القول إن الكونغرس يشهد ما يشبه “حرب العصابات”، منذ فوز الديموقراطيين بالأغلبية في انتخابات التجديد النصفي لمجلس النواب عام 2018، عبر ضمان دعم النساء، خصوصاً في ضواحي المدن.

لم يتوقف الأمر عند تحويل عملية تمرير القوانين التي توافق حولها الحزبان من الكونغرس إلى أمر مستحيل، فقد كانت النقاشات التي دارت حول فضائح طالت القاضي بريت كافانو مرشح الرئيس ترامب للمحكمة العليا، خلال عملية التصويت على تعيينه، بمثابة مؤشر على أن ثقافة التوافق الأمريكية أضحت أسطورة قديمة.

تمكن الرئيس أوباما خلال فترة رئاسته التي استمرت ثماني سنوات من تعيين قاضيين فقط في المحكمة العليا، فيما أعاق الجمهوريون التعيين الثالث، بحجة أن ذلك العام كان عام انتخابات، في المقابل؛ قام ترامب بتعيين قاضيين خلال أربع سنوات، وهو على أعتاب القيام بالتعيين الثالث، الأمر الذي رفع التوتر السياسي إلى أقصى حدوده.

إن ارتفاع التفوق الحالي للمحافظين في المحكمة العليا بخمسة أعضاء مقابل أربعة، إلى ستة مقابل ثلاثة، واحتمال أن يستمر هذا الوضع لعشرات السنين، دفع الطرفين للتعبئة والحشد. ففيما يوجه الديموقراطيون الاتهامات للجمهوريين بازدواجية المعايير، مستدلين في ذلك بموقف الجمهوريين عام 2016، لا يريد الجمهوريون -باستثناء عضوين- تفويت فرصة تاريخية كهذه. حسابات المحكمة العليا تحمل أهمية حيوية بالنسبة للقرارات النهائية في المواضيع المتعلقة بالقضايا الثقافية مثل قضية الإجهاض، وتوازنات القوة بين المؤسسات السياسية للبلاد.

بالنظر لاستطلاعات الرأي العام في عموم البلاد؛ نرى أن بايدن يتقدم على ترامب بفارق مريح، وأنه سيحصل على أصوات أكثر من ترامب، كما كان الحال في استطلاعات عام 2016.

غير أنه لما كانت الولايات هي من تحدد هوية الرئيس، وليس الناخبين بشكل مباشر، كان لابد من النظر إلى الوضع في الولايات التي تسمى ولايات “متأرجحة” في ظل نظام المجمع الانتخابي الذي يفوز فيه المرشح الذي ينجح في الولايات الحرجة.

يمضي السباق بشكل متقارب في نحو 10 إلى 12 ولاية، ولكن هناك تنافس رأساً برأس في خمس أو ست ولايات. من بين تلك الولايات ولايتا فلوريدا وبنسلفانيا اللتان تعدان الولايتان اللتان تحوزان العدد الأكبر من أصوات المجمع الانتخابي، بالنظر إلى الوضع في تلك الولايتان؛ نجد أن المرشحين قريبان من بعضهما البعض. فهناك نوع من التوازن بحيث يضمن المرشح الذي سيفوز في فلوريدا أفضلية كبرى، ويكفيه النجاح في عدد من الولايات المتأرجحة للفوز.

لن يكون من المفاجئ لأي أحد أن تجري عملية انتخابية مثيرة للجدل في فلوريدا، كما كان الحال في الماضي. حيث يجري الحديث حول سيناريوهات لن تتأكد فيها هوية الرئيس لأيام، وربما حتى لأسابيع. فحملة ترامب لم تكتف بطرح علامات استفهام من الآن حول مسألة الاقتراع عبر البريد، بل لجأت بالفعل إلى المحاكم في عدد من الولايات.

دخل ترامب الذي بدا في وضع بالغ السوء في استطلاعات الرأي العام في يوليو والنصف الأول من أغسطس مرحلة التعافي بنهاية الصيف وبداية سبتمبر. حيث تبرز القناعة السائدة بأن ترامب أكثر كفاءة من بايدن في مسألة إدارة الاقتصاد كواحدة من أهم المميزات التي يمتلكها الرئيس.

يرسل ترامب إلى قاعدته الانتخابية رسالة فحواها أنه أدار كل شيء بشكل جيد، بما في ذلك أزمة كورونا، وأن لا نظام ولا قانون سيبقى، إذا وصل الديموقراطيون إلى السلطة. يريد ترامب أن يصل لأعلى درجة من حشد وتعبئة قواعده الانتخابية، عبر الدفع بمرشح محافظ يسعد قواعده الأيدولوجية. الديموقراطيون هم أيضا تجمعوا على أجندة مناهضة لترامب، ولكن هنا لابد أن نسجل أن بايدن ليس مشجعاً للناخبين الشباب على وجه الخصوص. بالرغم من ذلك؛ فالرغبة في رحيل ترامب بغض النظر عمن سيخلفه وحدت الأجنحة المختلفة للحزب.

سيُعقد ما مجموعه ثلاث مناظرات تلفزيونية بين ترامب وبايدن، وقد يؤثر أداء المرشحين في تلك المناظرات على عدد قليل من الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد. من غير المنتظر أن يمر ترامب بمشكلة في الأداء في تلك المناظرات، إلا أن بايدن قد يتمكن من تحقيق أفضلية، إذا قدم أداءاً قوياً في أول مناظرة. كانت هذه المناظرات مؤثرة أكثر على نتائج الانتخابات في السابق، وكانت شاهدة كذلك على لحظات تاريخية. على سبيل المثال؛ عام 2016 كان ترامب قد قلب الأمور رأسا على عقب بتوجيهه بعض العبارات لهيلاري كلينتون مثل “لأنه كان ليلقَ بك في السجن”.

غير أن نسب المشاركة في الاقتراع ستكون أكثر حسما للنتائج، في فترة دعاية تشهد استقطاباً حاداً بين الناخبين، وهبوطاً في نسبة الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم دون مستوى 10% (يصل هذا الرقم إلى حوالي 3-5% في بعض الولايات).

إذا لم يتمكن المرشحان من تحقيق تفوق أكيد في الولايات الحرجة، فإن معرفة من سيتقلد منصب الرئيس ربما تقتضي أن ننتظر نهاية فترة من الفوضى، ستخلقها إجراءات الاعتراض أمام المحاكم.

تسميات