مجال الطاقة في تركيا في عام 2020: خطوات كبرى رغم الوباء

بالرغم من أنه كان عاماً صعباً من عدة جوانب تتصدرها الصحة والاقتصاد، إلا أن عام 2020 شهد قفزات هامة في مجال الطاقة في تركيا. ففيما أظهرت مرحلة الوباء للعالم أجمع إلى أي مدى قد تكون نتائج الاعتمادية سلبية، كانت الخطوات المُتخذة بشأن تقليل الاعتمادية على الخارج في المجالات التي تستحوذ على أهمية حرجة مثل الطاقة على قدر عال من الأهمية بالنسبة لتركيا...

على الرغم من أن عام 2020 كان عاماً تلقى فيه الاقتصاد العالمي ضربةً موجعةً، من جراء تفشي وباء كوفيد-19، إلا أنه في الوقت ذاته سيتم تذكره كعام اتخذت فيه تركيا خطوات هامة في مجال الطاقة.

ففي عام 2020 تحققت إنجازات كبرى كان من بينها:
الاكتشاف الضخم للغاز الطبيعي الذي قامت به سفينة “الفاتح”، وافتتاح خط أنابيب التيار التركي، وإضافة سفينة التنقيب “القانوني” وسفينة “الغازي أرطغرل” الوحدة العائمة لتخزين وإعادة الغاز المُسال لحالته الطبيعي “FSRU” لأسطول الطاقة التركي، وتكثيف أعمال البحث والتنقيب عن الطاقة شرقي المتوسط، وافتتاح أول مصنع لإنتاج ألواح الطاقة الشمسية المتكاملة في تركيا، وارتفاع حصة الموارد المحلية المستخدمة في إنتاج الطاقة الكهربية فوق ال 65%، وتحقيق رقم قياسي في حجم القدرة الاسمية الكهربية الكلية لتركيا ، وتخطي نصيب الموارد المتجددة من القدرة الاسمية الكهربية الكلية لتركيا حاجز ال50%.

الأهم بين كل هذه الإنجازات كان -بلا شك- هو الاكتشاف الكبير للغاز الطبيعي، الذي حققته سفينة “الفاتح” للتنقيب في حقل صقاريا للغاز الطبيعي، الموجود بالبحر الأسود. ذلك أنه من الواضح أن الكشف الذي تم الإعلان أولاً أن حجمه يبلغ 320 مليار متر مكعب، لتتم مراجعته لاحقاً بعد الدراسات التي تمت فيما بعد ليكون 404 مليار متر مكعب، يحمل دلالات هامة بالنسبة لدولة تعتمد في سد احتياجاتها من الغاز الطبيعي بنسبة 99% على العالم الخارجي مثل تركيا.

الغاز الذي من المخطط أن يتم توصيله للمستهلكين بحلول عام 2023 لن يكتفي بخفض فاتورة بعشرات الملايين من الدولارات تنفقها تركيا سنوياً على واردات الغاز الطبيعي بصورة كبيرة، بل أيضاً سيخفض بنسبة كبيرة المخاطر السياسية والأمنية التي تجلبها الاعتمادية على الخارج في هذا المجال في إثرها.

أي أنّ كشف الغاز الطبيعي في البحر الأسود سيُسجل كتطور من شأنه أن يخفض بنسبة كبيرة أخطار التحكم في صمام الطاقة من الخارج، والحاجة للمواد المالية الخارجية اللازمة من أجل الاستيراد.

عام 2020 كان عاماً شهد كذلك كثافةً في أعمال التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي، سواء في منطقة شرق المتوسط وبقية مناطق البحر الأسود أو في البر، وذلك من أجل القضاء على الاعتمادية على الخارج في مجال الطاقة تماماً عبر الاكتشافات الجديدة.

الطريق الآخر للخلاص من الاعتمادية على الخارج في مجال الطاقة يمر من زيادة الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة. وقد خطت تركيا خطوات هامة في هذا المجال في عام 2020. في هذا الإطار، كان افتتاح مصنع كاليون للتكنولوجيا الشمسية المُؤسس في المنطقة الصناعية المنظمة في العاصمة أنقرة، باستثمارات يُقدر حجمها ب 1.4 مليار دولار، بحضور الرئيس أردوغان تطوراً هاماً.

إن رفع انتاج الطاقة الشمسية التي تحتل موقعاً هاماً في مجال الطاقة المتجددة هو أمر على قدر عال من الأهمية، بقدر انتاج الألواح والتجهيزات الأخرى اللازمة لحقول الطاقة الشمسية المُقامة لهذا الغرض في تركيا.

من الواجب رؤية هذا المساعي كثمرة للجهود التركية الحثيثة في مجال الطاقة المتجددة، في الأعوام الأخيرة. فوفقاً لبيانات تقرير الطاقة العالمية لعام 2020 الذي نشرته بريتش بتروليوم؛ تعد تركيا أكثر دولة تسجيلاً للزيادة في استهلاك الطاقة المتجددة في أوروبا في الفترة بين عامي 2008-2018. ففي هذه الفترة بلغت الزيادة في استهلاك الطاقة المتجددة في تركيا نسبة 40.4% فيما بلغت الزيادة في ألمانيا 9.3% في الفترة نفسها. تعد هذه الأرقام مؤشراً واضحاً على أن تركيا في طريقها لسد الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة في مجال الطاقة المتجددة على نحو سريع.

كمؤشر آخر على الأهمية التي توليها تركيا للطاقة المتجددة، في عام 2020 ارتفع نصيب الطاقة المتجددة من المجموع الكلي للقوة الاسمية الكهربية فوق 50%. الأمر الذي يظهر تراجع نصيب الغاز الطبيعي والفحم من انتاج الطاقة الكهربية تدريجياً أمام الموارد المتجددة.
في هذا السياق، لابد من التطرق أيضاً إلى أن ارتفاعاً كبيراً قد شهدته القدرة الكهربية الاسمية الكلية لتركيا في عهد حزب العدالة والتنمية. فالقدرة الكهربية الاسمية لتركيا التي بلغت 31.846 ميغاوات عام 2002، ارتفعت بحلول شهر أكتوبر 2020 إلى 93.918 ميغاوات، مسجلةً بذلك ارتفاعاً بحوالي ثلاثة أضعاف. سيكون من الممكن الوصول إلى هذه البيانات وأكثر من خلال فصل الطاقة في كتاب “تركيا في عام 2020” الذي سيصدر عن مؤسسة ستا خلال بضعة أيام (الكتاب سيصدر باللغة التركية).

المسألة الأخرى الواجب التطرق إليها في مجال الطاقة عام 2020 هي أن التراجع في أسعار النفط والغاز الطبيعي الذي نجم عن تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي من جراء الوباء قلل تكلفة واردات تركيا من الطاقة. وعلى هذا النحو، كان من الممكن تعويض جزء من الخسائر التي تكبدتها تركيا في عدة قطاعات على رأسها السياحة والنقل بسبب الوباء.

بالرغم من أنه كان عاماً صعباً من عدة جوانب تتصدرها الصحة والاقتصاد، إلا أن عام 2020 شهد قفزات هامة في مجال الطاقة في تركيا. ففيما أظهرت مرحلة الوباء للعالم أجمع إلى أي مدى قد تكون نتائج الاعتمادية سلبية، كانت الخطوات المُتخذة بشأن تقليل الاعتمادية على الخارج في المجالات التي تستحوذ على أهمية حرجة مثل الطاقة على قدر عال من الأهمية بالنسبة لتركيا…

تسميات