ما مدى ارتفاع خطر الصدام العسكري في الخلاف التركي اليوناني؟

إذا وقع نزاع مسلح بين تركيا واليونان شرقي المتوسط، سيكون مسبب ذلك هو دول الاتحاد الأوروبي الداعمة لليونان وعلى رأسها فرنسا.

الحرب هي نهج تلجأ إليه الدول في بعض الحالات حينما تعتقد أنها قد استنفدت كل الطرق لحماية مصالحها. وتاريخ العالم زاخر بحروب لا تحصى، إذ فقدت مليارات من البشر حياتها، نتيجة استخدام كافة الأدوات الممكنة بما فيها الأسلحة النووية في تلك الحروب. ولم يحل الدمار العظيم الذي شهدته الحرب العالمية الثانية التي فقد فيها حوالي 80 مليون إنسان حياته جراء آثارها المباشرة وغير المباشرة دون خوض البشرية حروبًا جديدة فيما بعد.

إن للحرب التي هي التجلي الأعنف لسياسة القوة أشكال متنوعة، كما أنّ هناك أيضًا أشكال من النزاع المسلح لا تسمى حربًا. بمعنى أنّ سياسة القوة التي تتضمن استخدام دولة ما للسلاح ضد دولة أخرى لا تصل دائمًا إلى حد الحرب؛ فقد ينتهي النزاع المسلح أو التوترات الأخرى من طريق توسط دول أو منظمات دولية أخرى، قبل أن يصل إلى حافة الحرب. وهناك العديد من الأمثلة على ذلك في السياسة الدولية؛ فعادةً ما تحدث تلك التوترات بين الدول التي لديها خلافات حدودية، ولكن في الغالب لا تتحول تلك التوترات إلى حرب كبرى.

وتحتل تركيا واليونان موقعًا ضمن تلك الدول التي لديها خلافات حدودية من هذا النوع. إذ تتجلى قضية ترسيم حدود المياه الإقليمية والمجال الجوي والرصيف القاري والمنطقة الاقتصادية الحصرية بين البلدين كمشكلة خطيرة، بسبب القرب الشديد للجزر اليونانية من سواحل تركيا. ويشكل المناخ السلبي الذي تسببت في خلقه مشاكل كثيرة أخرى تبدأ من قضية تراقيا الغربية مرورًا بالمسألة القبرصية وتمتد حتى وضع بطريركية الروم في إسطنبول عائقا أمام حل هذه القضايا على أساس رشيد.

تشكل مجموعة من العوامل مصدرًا رئيسيًا للتوتر بين اليونان وتركيا، أهمها: رغبة اليونان التي قامت بتسليح بعض الجزر خلافًا لمعاهدة لوزان في مد مياهها الإقليمية حتى 12 ميلًا، غير أبهة بحقيقة أن بحر إيجة هو بحر شبه مغلق، وإصرارها في موضوع مد مجالها الجوي 10 أميال، وادعاءها امتلاك مجالات الصلاحية البحرية الموجودة خارج جزرها ومياهها الإقليمية.

ولما كان مد المياه الإقليمية لليونان حتى 12 ميلًا سيحول إيجة إلى بحيرة يونانية، وسيجعل حرية الملاحة للسفن التركية مستحيلة، أعلنت تركيا أنها ستعتبر أي خطوة تخطوها أثينا بهذا الاتجاه سببًا للحرب. يعد طرح اليونان هذه المسألة على جدول الأعمال من حين إلى آخر أحد أهم الأسباب التي تشعل التوتر بين البلدين.

إصرار اليونان على جعل مجالها الجوي 10 أميال على نحو معاكس لحدود مياهها الإقليمية الحالية التي تبلغ 6 أميال يفتح الطريق أمام جر مقاتلات البلدين إلى التوتر المعروف لدى الرأي العام باسم “النزال الجوي”، إلى حد أنّ خطر اشتعال صراع ساخن بين تركيا واليونان كان دائما ممكنًا.

مشكلة ترسيم حدود الرصيف القاري التي تسببت في التوتر في العلاقات التركية اليونانية هذه الأيام ليست بالمسألة الجديدة هي الأخرى. إذ حتى لو كان التوتر اليوم حاضرًا شرقي المتوسط في المنطقة الممتدة من غرب قبرص إلى خط كريت-رودس-مايس، إلا أن الخلاف على الرصيف القاري في بحر إيجة يشير إلى مشكلة أكبر.

تدعي اليونان أن لها الحق في أن يكون لجزرها في بحر إيجة وشرق المتوسط رصيف قاري ومنطقة اقتصادية حصرية مثل اليابسة الرئيسية، ضاربة بقرارات القضاء الدولي عرض الحائط . ونتيجة لقرب هذه الجزر من السواحل التركية، فإن هذا يعني حرمان تركيا ذات أطول شريط ساحلي في المنطقة من هذه المساحات بشكل كامل. ولما كان ذلك وضع لن تقبل به أنقرة، اتجهت تركيا لتحديد رصيفها القاري، عبر توقيع اتفاقيات مع جمهورية شمال قبرص التركية وليبيا، وتقدمت -على النحو الذي يراه قانون البحار الدولي- باقتراح لليونان وبقية دول المنطقة لعقد اتفاقيات لترسيم الحدود تستند إلى أساس من مبادئ العدالة والقانون.

فهل تصل اليونان المصرة على أطروحاتها المتطرفة بتحريض من بعض دول الاتحاد الأوروبي -بالرغم من اقتراح أنقرة- بالمسألة إلى حد الصراع الساخن؟

إجابة هذا السؤال تتوقف على النهج الذي سيتبعه الاتحاد الأوروبي..

من الواضح أن اليونان لن ترغب في مواجهة تركيا منفردة بشكل مباشر، ولكن إن هي أحست بدعم أوروبي خلفها بشكل قوي، فهناك احتمال أن تقدم على استفزازات جديدة تتضمن نزاع مسلح محدود مع أنقرة.

إذا وقع نزاع مسلح بين تركيا واليونان شرقي المتوسط، سيكون مسبب ذلك هو دول الاتحاد الأوروبي الداعمة لليونان وعلى رأسها فرنسا.

 

تسميات