ما الذي ينتظر القضية الفلسطينية في عهد بايدن؟

عندما نأخذ في الاعتبار تصريح بايدن عندما كان نائب الرئيس أوباما بأنه “إذا لم تكن هناك إسرائيل، ربما كنا سنضطر لاختراعها لحماية المصالح الأمريكية” سيكون من الضروري عدم رفع سقف التوقعات من إدارة بايدن فيما يخص القضية الفلسطينية.

تعد القضية الفلسطينية أحد أهم القضايا التي تشغل حيزاً كبيراً على أجندة السياسة الخارجية للديموقراطي جو بايدن الذي وصل إلى السلطة عقب الجمهوري دونالد ترامب الذي شهد عهده بعض التغييرات الهيكلية والظرفية في السياسة الخارجية الأمريكية. وعلى عكس القرارات التعسفية التي جرى اتخاذها ضد فلسطين، بضغوط مكثفة من اللوبي الصهيوني الذي هيمن على السياسة الأمريكية في عهد ترامب، فإنه من الملاحظ وجود توقعات إيجابية نسبياً حتى اللحظة بخصوص عهد بايدن. غير أنه من غير الممكن الانخداع بهذه الأجواء الإيجابية والقول إن تغيراً جذرياً سيطرأ على علاقات الولايات المتحدة وسياستها تجاه القضية الفلسطينية.

قبل طرح أي تقييم بشأن سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة إزاء القضية الفلسطينية، سيكون من المفيد التذكير بسياسة إدارة ترامب فيما يتعلق بالقضية. في هذا الإطار، ينبغي أن نشير إلى أن ترامب قد اتبع سياسة صعدت من التوتر بصورة صريحة، عبر 3 قرارات خطيرة تم اتخاذها بشأن القضية الفلسطينية.

أول هذه القرارات كان قرار نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وقد اتخذ هذا القرار الذي لم يجرؤ أي رئيس أمريكي سابق على اتخاذه في السادس من ديسمبر 2017، كنتيجة لمساعي جاريد كوشنر صهر ترامب وأحد كبار مستشاريه الذي تربطه علاقة وثيقة باللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، عقب هذا القرار الذي تم اتخاذه بغية دعم ادعاء إسرائيل بأن القدس هي العاصمة الأبدية لها، دعت إدارة ترامب الدول الأخرى لاتخاذ خطوات مشابهة في هذا الاتجاه، ولكن عدداً قليلاً فقط من الدول نقل سفارته إلى القدس استجابة لهذا النداء. وبهذا الخطأ الاستراتيجي الذي لا يمكن تلافيه ضُرَبَ بحساسيات ومقدسات كل المسلمين لا الشعب الفلسطيني المظلوم فحسب عرض الحائط، كما خسرت الإدارة الأمريكية باتخاذها هذا القرار دور “الوساطة” المزعومة، وتلقت علاقاتها بفلسطين ضربة قاتلة. وعليه قررت السلطة الفلسطينية قطع علاقاتها بالولايات المتحدة الامريكية، كرد على هذا القرار، في أعقاب ذلك قامت إدارة ترامب عبر قرار أصدرته في العاشر من سبتمبر 2018 بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية الموجود في واشنطن منذ عام 1994. باعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل تزعزع الإيمان بحل الدولتين.

ثاني هذه القرارات كان قرار إدارة ترامب في أغسطس من عام 2018 إيقاف المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة إلى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى. وبالرغم من أن إدارة ترامب قد بررت هذا القرار بالمشاكل الموجودة في نمط عمل الوكالة، إلا أن هذا القرار قد تم تقييمه على مستوى الرأي العام الدولي كبعد جديد للدعم الأمريكي المقدم إلى إسرائيل. وكانت إدارة ترامب قد أبدت ردة فعل على قرار منظمة اليونسكو إدراج البلدة القديمة الموجودة في مدينة الخليل الفلسطينية إلى قائمة التراث العالمي عقب هذا القرار على الفور، وما لبث ترامب أن قرر الخروج من اليونسكو مع إسرائيل في يناير من عام 2019. وقد اعتبر هذا القرار الذي اتخذ لإرضاء إسرائيل واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة تجلي ملموس لنمط السياسة الشعبوية.

القرار الثالث كان مشروع “اتفاقية القرن” المزعومة التي طرحها الرئيس ترامب على جدول الأعمال، مدعياً أنها ستصيغ حلاً دائماً للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وكان ترامب قد أزاح الستار عن خطة السلام المزعومة المتعلقة بالصراع في مؤتمر صحفي نظمه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في يناير من عام 2020. غير أن وجود مواد في هذا المشروع لا يمكن قبولها بالنسبة للجانب الفلسطيني كترك إدارة القدس لإسرائيل، ومنح الفلسطينيين رقعة أرض صغيرة فقط شرق القدس، على أن تكون الدولة الفلسطينية دون قوة عسكرية تحميها، كل ذلك أظهر بوضوح أن الخطة تخدم التوسع الإسرائيلي. وقد اعتبر هذا المسعى الذي يقف جاريد كوشنر وراءه “خيانة القرن” في نظر المجتمع الدولي، حتى وإن تم إظهاره كخطة بريئة من قبل الإدارة الأمريكية. وفي هذا السياق، لوحظ قيام بعض الدوائر بمحاولة فصل القضية الفلسطينية عن قضية القدس، سواء عن وعي أو دون وعي، متناولة تلك القضيتين كل على حدة. ولكن هذا الموقف لا يخدم سوى السياسات التوسعية الإسرائيلية، وعليه ينبغي التأكيد على أنه لن يكون من الممكن تصور وفهم القصية الفلسطينية بمعزل عن وضع القدس.

خطوات إدارة بايدن للتطبيع

من ناحية أخرى، فالخطوات التي خطتها إدارة بايدن تجاه القضية الفلسطينية أكثر إيجابية نسبياً. وفي هذا السياق، وبالرغم من أن بايدن ما زال حديث العهد في المنصب، إلا أن لتصريحه بأنه سيبذل جهوداً في قضية حل الدولتين بين فلسطين وإسرائيل، وأن المساعدات التي قطعت في عهد ترامب ستعود مجدداً أهمية من حيث إعادة تأسيس العلاقات. كذا فقد صرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه في حالة أوفت إدارة بايدن بوعودها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فسوف يكون من الممكن أن يتم تطبيع العلاقات بين البلدين.

إعلان إدارة بايدن أنه سيتم مد الفلسطينيين ب 15 مليون دولار مساعدات إنسانية لمكافحة السلالة الجديدة من فيروس كورونا، وقرارها في السابع من نيسان أبريل الجاري إرسال مساعدات تقدر ب 75 مليون دولار من أجل تنمية قطاع غزة والضفة الغربية و150 مليون دولار أخرى من أجل برامج الأونروا، كل ذلك يمكن اعتباره خطوات على طريق تطبيع العلاقات الثنائية. وعن تصريح وزارة الخارجية الأمريكية بأن “احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولان هو حقيقة تاريخية” الذي ورد في تقريرها لعام 2020، فيمكن تقييمه على أنه جزء من عملية التطبيع.

يأتي الاجتماع بالرئيس الفلسطيني محمود عباس على رأس الخطوات الجديدة المحتمل أن تخطوها إدارة بايدن من أجل تطبيع العلاقات الأمريكية-الفلسطينية، وسيكون لخطوت مثل فتح قنصلية أمريكية للفلسطينيين في القدس الشرقية على الأقل، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وتبني مبادرات دبلوماسية نشطة تدعم حل الدولتين أهمية كبيرة لاستعادة العلاقات الثنائية. بنفس الشكل، فالتراجع عن قرار الانسحاب من اليونسكو الذي هو ثمرة لمقاربة شعبوية، ورفع المساعدات المالية المقدمة لمنظمة الأونروا وفلسطين، وممارسة الضغوط على إسرائيل لوقف أعمال الاستيطان اليهودي غير الشرعي هي من الخطوات الواجب اتخاذها على هذا الطريق. فقط عندئذ قد تتشكل أجندة واقعية لحل القضية الفلسطينية.

من غير المنتظر أن يطرأ تغير جذري على السياسة المتبعة

وزير خارجية بايدن، أنتوني بلينكن، كان قد ذكر ضمن تصريح له حول القضية الفلسطينية كان قد أدلى به عقب توليه المنصب أن الإدارة الجديدة ستواصل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. بلينكن، إلى جانب ذلك، اعترض على إعلان المحكمة الجنائية الدولية، عبر قرار أصدرته في الخامس فبراير من العام الجاري، اختصاصها وصلاحيتها القضائية للنظر في الجرائم المرتكبة في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وبقية الأراضي الفلسطينية. انطلاقاً من التصريحين السابقين يتضح أن إدارة بايدن لا ترغب في إفساد علاقاتها مع إسرائيل، وأنها لن تفي بما يقع على عاتقها من مسؤوليات تجاه القضية الفلسطينية بالمعنى الكامل. بالإضافة إلى ذلك، عندما نأخذ في الاعتبار تصريح بايدن عندما كان نائب الرئيس أوباما بأنه “إذا لم تكن هناك إسرائيل، ربما كنا سنضطر لاختراعها لحماية المصالح الأمريكية” سيكون من الضروري عدم رفع سقف التوقعات من إدارة بايدن فيما يخص القضية الفلسطينية.

وختاماً، لما كانت العلاقات الاستراتيجية للولايات المتحدة بإسرائيل ومقاربتها نحو القضية الفلسطينية سياسة عليا للدولة فوق كل الإدارات الموجودة في السلطة، فمن الضروري عدم توقع حدوث تغيير جذري فيما يخص هذه القضية في عهد بايدن. وما تطبيق إدارة بايدن لقرار إدارة ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس على وجه الخصوص إلا مؤشر هام على هذا الوضع. في المقابل، من المتوقع أن تخف حدة الموقف المتصلب تجاه فلسطين الذي تم تبنيه في عهد ترامب وأن تتم العودة جزئياً إلى وضع ما قبل ترامب.

إن اتخاذ إدارة بايدن خطوات ملموسة في وقت قريب من أجل إعادة الدفع بالمساعدات التي تم تعليقها في عهد ترامب وإرسال مساعدات مادية إلى فلسطين يرفع من التوقعات بشأن التطبيع في العلاقات. وعليه يمكن القول إنه عند تقييم الوضعين معاً، نجد أن هناك نوع من التفاؤل الحذر بشأن العلاقات الأمريكية- الفلسطينية والقضية الفلسطينية في عهد بايدن يسود الأجواء.

 

تسميات