لماذا انقلب الغرب على الإسلام؟

المنابر الإعلامية الغربية لا تحترم الشخصيات الدينية المقدسة بما في ذلك عيسى عليه السلام. فكيف يمكن أن نتوقع ممن لا يحترم شخصياته المقدسة أن يحترم الشخصيات المقدسة للآخرين!

لطالما دأبت الحكومات الغربية عبر التاريخ على إظهار نفسها صاحبة قيم ومبادئ ليبرالية في علاقاتها الخارجية، عندما تكون فقط في موضع متميز تنافسي. ولكن الكراهية الحقيقية والعزلة والتغريب تظهر جليةً عندما تمر هذه الحكومات بأزمات كبيرة أو تجد نفسها في وضع معقد وصعب، كما يحصل الآن في العالم الغربي الذي يعاني من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية.

ونتيجة لذلك، اعتاد الغرب على تحميل الآخرين المسؤولية عن المشاكل التي يواجهها ويبدأ بالمساءلة وإشاعة العداء، تماماً كما حدث في النصف الأول من القرن العشرين حين ألقت الدول الغربية باللوم على اليهود. ما يؤكد حقيقة أن الغرب إذا لم يواجه تهديداً حقيقياً، فسيقوم باختلاق أعداء وهميين أو عدوٍ واحد على أقل احتمال.

ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي والشيوعية، أصبح المنظور الغربي للإسلام سلبياً، وأخذت الحكومات الغربية تشوّه سمعة الإسلام والمسلمين بشكل متزايد، وذلك لأسباب عديدة سوف يتطرق هذا النص إلى بعضها.

بدايةً، يحتاج الغرب من أجل بقائه إلى وجود عدوٍ سياسي، لذلك قامت الدول الغربية صاحبة النفوذ بمحاربة الفاشية لعقود من الزمن، حين كان الممثل الرئيسي لها في ألمانيا خلال النصف الأول من القرن العشرين “أدولف هتلر”. وكذلك حاربت الشيوعية التي يمثلها الاتحاد السوفيتي بشكل أساسي خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، استبدل الغرب خطر الشيوعية أو “الخطر الأحمر” بخطر الإسلام أو “الخطر الأخضر”.

وبالرغم من أن المسلمين لا يشكلون تهديداً سياسياً أو عسكرياً حقيقيا للعالم بشكل عام وللعالم الغربي بشكل خاص، إلا أن الدول الغربية تواصل تسييس الإسلام والمسلمين باعتبارهم خصماً رئيسياً. واستمر الغرب في تطبيق نظرته الماضية حيث كان يعتبر الفاشية أو الشيوعية تهديداً لأسلوب حياته، وصار يدّعي زيفاً أن الإسلام يشكل مصدر تهديدٍ له في الوقت الحاضر.

ويعد استخدام مصطلحات معادية للإسلام و إشاعة تسمية “الإرهاب الإسلامي”، من أسهل الطرق لتأكيد الهيمنة وتعزيزها على حكومات العالم الإسلامي. فالغرب لا يفضل أن يُدار العالم الإسلامي من قبل حكوماتٍ مستقلة أبداً، بل تريد القوى الاستعمارية الحفاظ على سيطرتها المباشرة وغير المباشرة على هذه البلدان.

أما فرنسا على وجه الخصوص، فهي تستغل موارد الدول الإفريقية الإسلامية مثل مالي والنيجر والسنغال وتشاد وغامبيا وموريتانيا. وعلى سبيل المثال، تفضل الحكومة الفرنسية وبعض الدول الغربية، أن يكون الانقلابي خليفة حفتر حاكماً على ليبيا، لأنه مخلص في الحفاظ على المصالح الفرنسية هناك.

كما أن تكلفة استخدام الخطاب المعادي للإسلام منخفضة جداً، لأن الدول الغربية لم تستطع في الماضي ولا تستطيع حالياً معاداة دول مثل الهند أو الصين مثلاً. فالمصالح المتبادلة بين الغرب والصين أو بين الغرب وروسيا أقوى من المصالح المتبادلة بين الغرب والدول الإسلامية، مما يجعل تكلفة مواجهة القوى العالمية الغربية مع بكين أو موسكو باهظةً للغاية.

لذلك، فإن تحويل الإسلام إلى طرف مواجهة هو حل أكثر عملية. ومن الأسهل حشد العالم وراء وهم “الإسلاموفوبيا”، لأن بعض الدول القوية مثل الصين وروسيا والهند خاصةً، والتي تتواجد الأقليات المسلمة بين شعوبها وتسيطر حكوماتها على الأراضي ذات الأغلبية المسلمة تاريخياً، لديها عداوة تقليدية مع الدول الإسلامية.

من ناحية أخرى، السيطرة على العالم الإسلامي تُثقل كفة التنافس العالمي بين الدول الغربية وباقي الدول ذات الهيمنة. وفي النهاية سيكتسب المسيطر على مناطق العالم الإسلامي مثل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والقرن الإفريقي وآسيا الوسطى وجنوب آسيا، الأفضلية ويسود ويتفوق.

ومن الأسباب الهامة أيضاً أن الخطاب السياسي لبعض حكومات العالم الإسلامي يتمتع بتأثير قوي وله انتشار واسع، إضافة إلى وجود أتباع مخلصين للإسلام في جميع أنحاء العالم. لذلك فالإسلام ظاهرة عالمية وله القدرة على توحيد البلدان عبر العالم. علاوةً على أن الإسلام هو الدين الأسرع انتشاراً في العالم، حتى بات المسلمون يشكلون اليوم ثاني أكبر مجتمع ديني. بل أصبح الإسلام حالياً ثاني أكبر الديانات في العديد من البلدان الأوروبية، بما في ذلك بلجيكا وهولندا. ولهذا تشعر الدول الغربية بالتهديد من الإسلام والمسلمين.

واليوم، يتجاوز عدد المسلمين الذين يعيشون في الدول الأوروبية 20 مليوناً، ويتنامى وجودهم وتأثيرهم في الغرب كل عام، إلى درجة أنهم بدأوا في دعم قطاعاتٍ مختلفة من المجتمعات الأوروبية. بالإضافة إلى استمرار موجات اللاجئين من العالم الإسلامي نحو أوروبا الغربية والتي تجعل أعداد المسلمين تتزايد في دول أوروبا باضطراد.

ولا بد من التأكيد أخيراً على أن الحكومات الغربية التي لا تقيم وزناً للأديان، لا تحترم الشخصيات الدينية المقدسة بما في ذلك عيسى عليه السلام الذي بشّر بالمسيحية. ولا يوجد أية حدود للمنابر الإعلامية الغربية فيما يتعلق باحترام الأديان والعقائد. لذلك نجدهم يتداولون رسوماً متحركةً تهين حتى شخص المسيح عليه السلام. فإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن أن نتوقع ممن لا يحترم شخصياته المقدسة أن يحترم الشخصيات المقدسة للآخرين!

الواقع أن الغرب يساهم من خلال استهداف النبي محمد عليه الصلاة والسلام، في تطرف بعض الجماعات الإسلامية المستعدة للرد على هذه الحركات المهينة في البلاد الغربية. وكلما اتبعت الحكومات سياسات معادية للإسلام، زادت مساهمتها في الاستقطاب واستثارة المتطرفين، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة التوتر الاجتماعي والسياسي في الدول الغربية. وبالنتيجة يظل الإسلام والمسلمون جزءاً لا يتجزأ من أوروبا وعموم بلاد الغرب وهم ليسوا غرباء عنها.

وبما أن إقصاء الإسلام والمسلمين وعزلهم سوف يؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى زعزعة استقرار المجتمعات والدول الغربية، فإن السياسات الحالية المعادية للإسلام ستؤدي إلى نتائج عكسية. بمعنى آخر أن السياسات المعادية للإسلام هي استراتيجية خاسرة، قد تُنقذ بعض الساسة الغربيين مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكنها لن تُنقذ مستقبل الغرب.

تسميات