كسر الجمود في العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي

في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أحرزت تركيا تقدماً ملحوظاً في مجال الإصلاح القانوني والسياسي. وساد اعتقاد آنذاك بإمكانية حصول البلاد على عضوية كاملة بالاتحاد الأوروبي فضلاً عن الاستعداد الكبير الذي أبدته تركيا للتغيير السياسي والتكيف مع المعطيات المطلوبة، لكن الاتحاد الأوروبي أبطأ العملية وعرقل تقدم انضمام تركيا.

في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أحرزت تركيا تقدماً ملحوظاً في مجال الإصلاح القانوني والسياسي. وساد اعتقاد آنذاك بإمكانية حصول البلاد على عضوية كاملة بالاتحاد الأوروبي فضلاً عن الاستعداد الكبير الذي أبدته تركيا للتغيير السياسي والتكيف مع المعطيات المطلوبة، لكن الاتحاد الأوروبي أبطأ العملية وعرقل تقدم انضمام تركيا.

ومثلت قضية قبرص ذريعة لتعليق عضوية تركيا، رغم إمكانية القادة الأوروبيين منع القبارصة الروم من استخدام حق النقض لو كانوا صادقين بشأن قبول تركيا كعضو كامل العضوية. ولا تزال العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي عالقة في ممر ضيق بسبب تردد أصحاب المصلحة وزعزعة نواياهم.

ومن المرجح أن يقدّر قادة الاتحاد الأوروبي في قمتهم الحالية التقدم الذي أحرزته تركيا في الحد من التوترات في أزمة شرق البحر المتوسط. إضافة لبعض الانتقادات لسجل تركيا في مجال حقوق الإنسان، فضلاً عن شجب قرار تركيا بالانسحاب من اتفاقية إسطنبول. وستركز توصيات القادة الأوروبيين على توثيق التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة والمشاكل الاقتصادية والدفاع والقضايا السياسية. ومن المتوقع أن يتم تأجيل بعض الأسئلة والقضايا التي لم تتم الإجابة عليها حتى القمة القادمة.

وبالرغم من أن هذه الخطوات الدبلوماسية والسياسية مفيدة لصناع القرار الأتراك والأوروبيين، إلا أن تحقيق قفزة صادقة إلى الأمام لا يمكن أن يتم دون تغيير في طبيعة العلاقات.

الموقف العدائي للاتحاد الأوروبي:

يستمر بعض القادة والدول في استخدام مؤسسات الاتحاد الأوروبي وتعبئتها للضغط على تركيا في أوقات الخلاف. كما يستمر البرلمانيون الأوروبيون في استخدام لغة قاسية في تقاريرهم ضد تركيا. في حين يصدر المشرعون في الاتحاد تقارير يزعمون أنه لا أحد يأخذها على محمل الجد في تركيا.

ويستمر العديد من أصحاب المصلحة الأوروبيين في لعب دور الشرطي الجيد والشرطي السيء. الأمر الذي من شأنه أن يمنع بالفعل تحسين العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. بينما يهمس بعض القادة الأوروبيين لنظرائهم: “دعونا ننتظر حتى رحيل أردوغان”.

وإذا كان لدى صانعي القرار الأوروبيين خطط طويلة الأجل لتحسين العلاقات مع أنقرة فسيكون من الخطأ تبديد فرصة العمل مع مثل هذا القائد القوي. أما إذا كانوا يخططون لإقصاء تركيا وإبقائها خارج الاتحاد الأوروبي، فقد تكون هذه ذريعة مفيدة.

وتبدو هذه الذرائع الأوربية كلها سطحية ولا تقنع أنقرة ولا الشعب التركي الذي فقد الاهتمام بعملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر الانضمام إليه ضرورياً لمجتمع الأعمال والمنظمات غير الحكومية، ولكن بالنسبة للمواطنين الأتراك العاديين، فهذه المناقشات ليست سوى ذكرى من الماضي.

في الواقع لا يوجد حماس قوي لتحسين العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي في فترة التحول السريع الذي يجري في النظام العالمي.

وبالنظر إلى العلاقات الاقتصادية والسياسية القوية قد يفترض معظم الأوروبيين أن تركيا ليس لديها بديل سوى الاتحاد الأوروبي، لكن هذا الأمر غير واقعي لأن التعامل مع المواقف العدائية لا يمكن أن يكون خياراً.

وبدلاً من ذلك، فالبديل المتاح أمام تركيا هو التعاون مع الأوروبيين بشكل أقل في الأمور ذات الاهتمام الاستراتيجي وإعادة التكيف مع زمن التحول العالمي.

مخاوف الانضمام:

المشكلة الرئيسية في العلاقات التركية الأوروبية هي الافتقار إلى منظور العضوية مع مواصلة بعض الدول الفاعلة إلقاء اللوم على الصعود والهبوط في السياسة التركية واقتصادها وكذلك سياستها الخارجية.

ومع أن تركيا لديها بعض المصالح المتضاربة في السياسة الخارجية مع عدد قليل من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا واليونان والنمسا، لكن الدول الأعضاء نفسها لديها مصالح متباينة في السياسة الخارجية فيما بينها أيضاً بشأن العديد من القضايا، وتختلف أولوياتهم وخياراتهم السياسية اختلافاً جوهرياً.

لقد وقعت بعض التقلبات في السياسات الداخلية لتركيا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016، وسلطت الهجمات الإرهابية المتزايدة من تنظيم بي كا كا وداعش وجماعة غولن الضوء على ضعف في بعض النقاط المتعلقة بالأمن. وقد أدى تطور هذه الأحداث إلى كبح بعض الحريات في تركيا، لكن هذا التذبذب مؤقت. وليس هناك تغييرات في التوجهات والأولويات الديمقراطية لتركيا.

ويمكن للاتحاد الأوروبي القيام بدور بناء في التعامل مع تلك التحديات بدلاً من انتقاد صانعي القرار في أنقرة بلغة معادية.

إن إبطاء الدعم المالي المخصص للاجئين وتأجيل تحديث الاتحاد الجمركي والتهديد بالعقوبات الاقتصادية وإبطاء عملية تحرير التأشيرات والتعامل مع القضايا الحساسة في وقت غير مناسب مع استخدام لغة معادية في تقارير الاتحاد الأوروبي يزعج تركيا ويخيب آمال حكومة أردوغان وتحالف الشعب والشعب التركي بكافة أطيافه السياسية.

ومن غير المتوقع أن يخاطر أي سياسي في تركيا بمسار غير مؤكد ومحمل بآلاف العقبات إذا لم يكن هناك احتمال موثوق للانضمام والعضوية.

من ناحية أخرى، تتمتع تركيا الآن بعلاقات أفضل مع جهات فاعلة بديلة مثل روسيا والصين، بالرغم من بعض الخلافات حول المسائل الجيوسياسية.

وختاماً يعتقد المسؤولون الأوروبيون الذين يتابعون تركيا عن كثب أن الأفعال أكثر أهمية من الكلمات والخطط. والواقع أن كسر الجمود في العلاقات التركية الأوروبية لا يمكن أن يتم إلا من خلال إحياء آفاق العضوية والعودة إلى عملية الانضمام.

تسميات