على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لعب دور فعال في العلاقات التركية اليونانية

"لو قدمت واشنطن وبروكسيل دعماً أكبر لأمكنهم مساعدة أنقرة وأثينا على تحسين المبادرة الدبلوماسية الثنائية الأخيرة"

عقدت في الأسبوع الماضي الجولة 61 من المحادثات الاستكشافية بين تركيا واليونان في إسطنبول. وكان الاجتماع السابق بين الدبلوماسيين الأتراك واليونانيين قد عقد في أثينا في شهر مارس 2016، لكن الجلسات علقت بعد ذلك بعد تولي “أليكسيس تسيبراس” منصب رئيس وزراء اليونان.

وبالرغم من تعليق المحادثات الاستكشافية، أجرى البلدان حواراً استراتيجياً رفيع المستوى خلال حقبة “تسيبراس”، إلا أن التوترات الثنائية تنامت من جديد منذ انتخاب “كيرياكوس ميتسوتاكيس” رئيسا للوزراء لليونان.

وكانت المحادثات الاستكشافية بدأت في عام 2002 لإيجاد حلول عادلة ومنصفة للصراعات بين البلدين بعد أن وصلت تركيا واليونان إلى شفا الحرب عام 1996 بسبب أزمة جزيرة “كارداك” إلى جانب خلافات أخرى حول ترسيم الحدود البحرية وتسليح الجانب اليوناني لجزر بحر إيجة وحقوق الحفر والتنقيب والمناطق الاقتصادية الحصرية.

وفي هذا السياق، ركزت أجندة المحادثات الأخيرة بشكل أساسي على تفعيل العلاقات الثنائية الدبلوماسية وعلى المخاوف الأمنية إضافةً إلى النقاط المتنازع عليها السالفة الذكر.

وبمناسبة عودة إطلاق المباحثات الاستكشافية بين البلدين، هنأ رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي “شارل ميشيل” ومنسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل” كلاً من تركيا واليونان على جهودهما للحد من التوترات العسكرية باستخدام الدبلوماسية. كما أدلت العاصمتان التركية واليونانية بتعليقات إيجابية حول المباحثات.

تطورات شرق المتوسط:

شهدت العلاقات التركية اليونانية في الصيف الماضي تدهوراً كبيراً بسبب التوترات المتزايدة في شرق البحر المتوسط. وانضمت اليونان والإدارة القبرصية الرومية إلى منتدى غاز شرق البحر المتوسط، الذي تحول إلى منتدىً سياسي يهدف إلى تهميش تركيا وحرمانها من تقاسم احتياطيات الهيدروكربونات.

لذلك لم تتمكن تركيا من دعم مطالبها بالسيادة وحقوق تعيين الحدود البحرية. فقامت بتوقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية والتعاون العسكري مع ليبيا، مما زاد الضغط على كل من أنقرة وأثينا.

وردت اليونان بتوقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع مصر. وقرر القادة الأوروبيون وكذلك واشنطن دعم أثينا في شرق البحر المتوسط بدلاً من العمل كوسطاء منصفين.

وعلى مدى العقدين الماضيين تمكن المجتمع التركي واليوناني من اجتياز عتبة حرجة، وساهمت جهودهما المشتركة للتطبيع والعيش الإنساني المتسامح في المصالحة والتفاهم المتبادل، الأمر الذي انعكس بشكل إيجابي على كلا الجانبين.

كما خدمت زيادة التجارة والسياحة بين ضفتي بحر إيجة مصالح المجتمعين التركي واليوناني فضلاً عن أن السياسيين في أنقرة وأثينا يدركون ضرورة تعاونهم المشترك في الحالات الحرجة مثل الزلازل وحرائق الغابات أو الكوارث الطبيعية الأخرى.

ومع أن التنافس بين البلدين قد يخدم مصالح السياسيين في البلدين لكن هذا لا يعني أن يتحول التنافس السياسي إلى عداء عميق.  فقد ذكّر التوتر في شرق البحر المتوسط المواطنين والسياسيين في تركيا واليونان بالإرث السلبي لحقبة الستينيات والسبعينيات والتسعينيات. ولا بد اليوم لكلا البلدين من التعاون المشترك لتحقيق الانتعاش الاقتصادي في ما بعد أزمة كوفيد-19.

كما أن كلاهما يعرف أنه لا يوجد حل عسكري للمشاكل المعقدة بين أنقرة وأثينا، وأنهما يحتاجان إلى تخفيف التوترات في منطقة بحر إيجة وشرق المتوسط بدلاً من الإنفاق الدفاعي غير الضروري وتجييش الجيوش بالعتاد والسلاح.

لقد لعب الناتو والاتحاد الأوروبي في الماضي أدواراً حاسمةً في تطبيع العلاقات التركية اليونانية. وكان من الممكن أن تؤدي مواجهة عسكرية محتملة إلى تعريض الجناح الجنوبي لحلف الناتو للخطر وزعزعة استقرار أمن الاتحاد الأوروبي.

ولكن ماذا عن موقف الولايات المتحدة؟

تخلت واشنطن عن دورها كوسيط عادل بين أنقرة وأثينا. وبالرغم من الجهود البناءة التي يبذلها الأمين العام لحلف الناتو “ينس ستولتنبرغ” للحد من التوترات، استمر الخلاف في الولايات المتحدة حين تخلت الدولة العظمى عن حيادها في أزمة شرق البحر المتوسط من خلال تشجيعها لمشاريع أثينا وأطماعها القصوى، كجزء من استراتيجية واشنطن لاحتواء النشاط العسكري التركي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وصارت واشنطن لسوء الحظ تلعب دور المفسد إلى جانب باريس، في توترات شرق البحر المتوسط بين أنقرة وأثينا.

والحقيقة أنه لا يوجد حل سهل للمشاكل المتصاعدة بين الجارين. لكن المؤكد أن الجانبين التركي اليوناني لن يستفيدا من التوترات العسكرية ولا من احتمال وقوع مواجهة عسكرية.

ويمكن لبروكسل وواشنطن لعب أدوار حاسمة في تخفيف نزاعات تركيا واليونان.

بل يجب أن يلعب كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أدواراً أكثر فعالية وحيادية كوسطاء منصفين بدلاً من الانحياز إلى جانب اليونان. وما من شك أن المجتمعات على جانبي بحر إيجه ستكون هي المستفيدة من السلام الدائم بين تركيا واليونان.

تسميات