على أوروبا مغادرة عربة ماكرون-ميتسوتاكيس بأسرع وقت ضماناً لمصالحها

إذا اتبع القادة الأوروبيين قيادة ماكرون وميتسوتاكيس في مواجهة تركيا، قد يحولون مسألة شرق البحر المتوسط إلى قضية وجودية بالنسبة للأتراك.

وجّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتركيا مؤخراً نقداً علنياً شديد اللهجة. ويعود سبب انتقاداته العدائية إلى نفوذ تركيا المتزايد في سوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط على حساب النفوذ الفرنسي الذي تحدّته أنقرة في شمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى أيضاً.

ويتفق الخبراء بأغلبية ساحقة على أن ماكرون يسعى إلى تنصيب نفسه كزعيمٍ سياسيٍ لأوروبا، محاولاً استخدام سياسته الخارجية الشعبوية لإسكات المنتقدين في الداخل.

ولم يكتف الرئيس الفرنسي بالحرب الكلامية التي أشعلها التنافس التركي الفرنسي بينه وبين الرئيس رجب طيب أردوغان، بل راح يستخدم الاتحاد الأوروبي كما يفعل وزير الخارجية اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، لعزل تركيا وإجبارها على التنازل عن مصالحها الوطنية.

وفي حديثه للصحفيين قبل قمة زعماء أوروبا، حثّ ماكرون جميع الأوروبيين على تبني موقف “واضح وحازم” تجاه أردوغان بشأن ما أسماه “السلوك غير المقبول للرئيس التركي”. وهو يهدف من وراء ذلك إلى حشد إجماع الاتحاد الأوروبي لاستصدار عقوبات ضد تركيا في الفترة ما بين 24 و 25 سبتمبر.

وهو من خلال ادعائه بأن تركيا “لم تعد شريكاً في البحر الأبيض المتوسط”، ضاعف من سياسة فرنسا العدائية ضد تركيا لوضعها في مواجهة أوروبا. ويبدو أن الغرض الحقيقي من بيانه هو تعزيز المصالح الفرنسية واليونانية خلف ستارة التضامن الأوروبي. ومن الممكن أيضاً أن تتخذ فرنسا مبادرات لتعزيز نهج “العصا والجزرة” تجاه تركيا.

ومع ذلك، فإن الأمر المؤكد والواضح هو أن تركيا لن تتراجع عن مطالبها المشروعة في شرق البحر المتوسط. وإذا لم يعدّل قادة الاتحاد الأوروبي مسارهم، فقد يكون لتوترات شرق المتوسط تداعيات دائمة.

إن حالة التنافر والتهميش المتبادل بين تركيا والكتلة الأوروبية سوف تتسارع، إذا ما فشلت الحكومات الأوروبية، التي قدمت ملاذاً آمناً للجماعات الإرهابية في الماضي مثل تنظيم بي كا كا وتنظيم غولن الإرهابيين، في لجم أمثال ماكرون وميتسوتاكيس ورئيس الوزراء النمساوي سيباستيان كورتس، وكفّهم عن جر الاتحاد الأوروبي بعيداً عن مصالحه.

فالمصالح الاقتصادية المشتركة هي التي شجعت حتى الآن، كلاً من تركيا والاتحاد الأوروبي على تجزئة علاقاتهما. لكن الحيطة تقتضي وضع العقوبات المحتملة في الاعتبار كونها ستغذي مزيداً من الخلافات الجديدة والجذرية.

لقد فشل الفرنسي الذي أوضح نيته بإقصاء تركيا عن أوروبا، في مداراة وقاحته عندما ميّز بين الشعب التركي وأردوغان بالرغم من حقيقة تصويت أكثر من 52% من الناخبين في تركيا لرئيسهم الحالي!

فهل يعتقد ماكرون حقاً أن الشعب التركي سيدعم أنانية فرنسا؟ وهل يعتقد حقاً أن مطالبة الأتراك بالتراجع عن حقوقهم المشروعة، لتعزيز المصالح الفرنسية أو اليونانية، من شأنه أن يؤدي بطريقة ما إلى الضغط على أردوغان؟ وهل يتوقع من الشعب التركي أن يدير ظهره للرئيس الذي يخدم قضية تمثل غاية في الأحقية والعدالة؟ وهل يمكن للشعب التركي أن يتجاهل ببساطةٍ أن أردوغان يقاتل من أجل المصالح التاريخية والوطنية للبلاد، لأن بعض الغربيين يعتقدون أنهم لا يستمتعون بالحوار مع الرئيس التركي؟

ونحن جميعاً ندرك بالتأكيد غرور ماكرون بعد أن رأينا تخيلاته الاستعمارية في رحلته الأخيرة إلى لبنان. كما زاد تأييده المستفز لمجلة “شارلي إبدو” المعادية للمسلمين الطين بلة، باعتبار ما نشرته من إساءة لرسول الإسلام عليه السلام”حرية”، وهو بذلك وضع نفسه موقع المعارض للدين الحنيف.

وفي حال انضمام ألمانيا ودول أوروبا الشرقية والجنوبية إلى العربة الفرنسية، فسيؤدي ذلك إلى كارثة في أوروبا. لأن مصالح تركيا الراسخة في شرق البحر المتوسط هي مسألة وجودية بالنسبة للشعب التركي.

دعونا نأمل أن تخرج ألمانيا من لعبة الشرطي دون مزيد من التأخير، وأن تأخذ زمام المبادرة من أجل مستقبل أوروبا. دعونا نأمل أن يدفع الإجماع المطلوب بين 24 و25 سبتمبر، الاتحاد الأوروبي نحو قرارات أكثر عقلانية.

لأن القادة الأوروبيين باتباعهم قيادة ماكرون وميتسوتاكيس في مواجهة تركيا، قد يحولون مسألة شرق البحر المتوسط إلى قضية وجودية بالنسبة للأتراك.

[المصدر: ديلي صباح]

تسميات