علاقات سامة!

تحمل بعض الدوائر داخل ألمانيا نظام بوتين المسئولية عن حادثة تسمم المعارض الروسي، وتطالب برلين باتخاذ الخطوات اللازمة، كرد فعل على ذلك، بينما ترى روسيا القضية نتاجاً لحملة تشويه تُشن ضدها.

تشتد أزمة تسمم نافالني بين ألمانيا وروسيا يوماً بعد يوم. حيث تحمل بعض الدوائر داخل ألمانيا نظام بوتين المسئولية عن حادثة تسمم المعارض الروسي، وتطالب برلين باتخاذ الخطوات اللازمة، كرد فعل على ذلك، بينما ترى روسيا القضية نتاجاً لحملة تشويه تُشن ضدها.

من المؤكد أن حادثة تسمم نافالني قد سممت العلاقات الألمانية الروسية. حيث ظلت برلين متحفظة إلى حد بعيد في مسألة العلاقات مع روسيا لفترة طويلة، ولم ترغب في مواجهة مباشرة مع موسكو، ولكن من الواضح أنها ألقت بهذه العلاقات إلى التهلكة، حينما جلبت المعارض الروسي إلى أراضيها. ولكن لدى ألمانيا مستشارة على قدر من الخبرة يكفي لاتخاذ هذا القرار، عن دراية ووعي بالخطر سالف الذكر.

السؤال الذي يجب طرحه في هذه الحالة هو: هل انتقلت ألمانيا التي جلبت نافالني إلى أراضيها من أجل تلقي العلاج إلى مرحلة جديدة في علاقاتها مع روسيا بقيامها بهذا العمل؟

سيكون النظر إلى حالة بلد آخر لديه “علاقات سامة” مع روسيا مفيداً، للإجابة على هذا السؤال..

العلاقات الإنجليزية الروسية التي توترت بصورة مفرطة، خلال حوادث تسميم ليتفينينكو وسكريبال، تتواصل بصورة شائكة إلى الآن. ففي أعقاب تسمم العميل الروسي السابق ألكساندر ليتفينينكو، بمادة البولونيوم المشعة ومقتله، في إنجلترا عام 2006، وجهت الحكومة الإنجليزية أصابع الاتهام إلى روسيا، وحدث توتر بالغ بين البلدين. وكان طرد بعض الدبلوماسيين الروس، ووقف التعاون مع المخابرات الروسية، ضمن العقوبات التي وقعتها إنجلترا على روسيا. ولكن لندن التي لم ترغب في المخاطرة بالعلاقات الاقتصادية مع روسيا كثيراً، تجنبت فرض المزيد من العقوبات.

وفي عام 2018 فتحت واقعة تسمم سيرغي سكريبال ونجلته جوليا، بغاز الأعصاب نوفيتشوك، في إنجلترا، الباب أمام أزمة أكبر في العلاقات بين إنجلترا وروسيا. حيث حملت الحكومة الإنجليزية النظام الروسي المسئولية عن تسمم سكريبال، الذي كان عميلاً استخبارتياً روسياً سابقاً، وعمل لحساب جهاز المخابرات الإنجليزي -مثل ليتفينينكو- بصحبة نجلته، ووقعت بنفسها عقوبات على موسكو، ودعت حلفاءها في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو للتحرك في هذا الشأن.

كانت إنجلترا قد طردت 23 دبلوماسياً روسياً، فيما ردت روسيا بطرد نفس العدد من الدبلوماسيين الانجليز. وتحركت العديد من البلدان الغربية، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار من التضامن مع إنجلترا، وطردوا عدداً من الدبلوماسيين الروس، مشددين بذلك نهجهم نحو موسكو. بالرغم من ذلك؛ أظهرت حادثة تسمم نافالني أن العلاقات بين روسيا والدول الأوروبية ستتواصل، ولكن بصورة “سامة”.

الشخص المسموم هذه المرة لم يسمم في دولة أوروبية وإنما في روسيا، بشكل يختلف عن حوادث ليتفينينكو وسكريبال. علاوة على ذلك؛ ليتفينينكو وسكريبال كانا قد غيرا ولاءهما وعملا لحساب المخابرات الإنجليزية. أما نافالني؛ فهو سياسي معارض يمارس السياسة في روسيا بصورة نشطة.

بالنسبة لإنجلترا؛ كان من غير الوارد عدم الرد على تسمم أفراد يعملون لحساب الاستخبارات الإنجليزية على أراضيها. ولكن دخول ألمانيا التي لديها علاقات اقتصادية قريبة مع روسيا على الخط، في قضية نافالني، هو أمر اختياري وليس إجباري.

إذا لم يكن قرار جلب نافالني إلى ألمانيا قد اتخذ بصورة غير احترافية، فهو إذاً نذير بقيام برلين بتشديد سياستها تجاه موسكو. ففي ألمانيا تُناقش التأثيرات المحتملة لهذا الحادث على خط أنابيب الغاز “التيار الشمالي-2″، الذي تم الانتهاء من 95% منه. حيث يتزايد عدد الذين يعتقدون بضرورة التحجج بهذا التطور الحاصل، لإلغاء خط الأنابيب سالف الذكر، والخلاص من العقوبات الأمريكية في هذا الموضوع.

من ناحية أخرى؛ يتسبب إبراز ألمانيا في صورة الداعم لنافالني، الذي يتم إظهاره كأبرز منافس لبوتين، في انزعاج بالغ في موسكو.

أزمة عصيبة تنتظر العلاقات الألمانية الروسية. ولربما يؤثر النحو الذي ستسير عليه الأمور على علاقات أوروبا بأكملها مع روسيا، بل وحتى على علاقات ألمانيا بالولايات المتحدة الامريكية.

تركيا التي تعد إحدى الدول التي يحتمل أن تتأثر بتلك الأزمة، عليها أن تتابع علاقات روسيا السامة بألمانيا والدول الأوروبية الأخرى، عن قرب.

تسميات