علاقات تركيا بالغرب والسعي إلى استقلالية القرار

منذ أن بدأ ميزان القوى العالمي في التحول، حيث تعثرت قيادة أمريكا وبدأت القوى العالمية مثل روسيا والصين في اتخاذ موقف أكثر حزماً في سياساتها الخارجية، قررت تركيا أيضًا السعي للحصول على قدر أكبر من الاستقلالية في منطقتها واتباع سياسة خارجية أكثر استقلالية حتى تتمكن من مواجهة عدم الاستقرار السياسي المتزايد في جوارها.

حافظت تركيا، كعضو نشط في المؤسسات الدولية الغربية، مثل حلف الناتو والمجلس الأوروبي، على علاقات وثيقة مع حلفائها الأوروبيين والأمريكيين منذ الحرب العالمية الثانية.

استفادت جميع الأطراف من هذه العلاقة القوية والمستدامة، لا سيما خلال سنوات الحرب الباردة. فمن ناحية، حمى الدعم السياسي والاقتصادي الغربي تركيا من التهديد السوفييتي على حدودها، ومنحها قوة على الساحة العالمية. ومن ناحية أخرى، استفاد الغرب من وجود حليف مهم للناتو على جبهة جنوب شرق أوروبا، مع فرصة لاستضافة القواعد الجوية العسكرية لدرء التقدم من الشرق.

ومع انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، بدأت طبيعة العلاقات التركية – الغربية تتغير، وتُواجه الجانبين منذ ذلك الحين تحدياتُ متنافسة. أعلن حلف الناتو أن الإرهاب الدولي يمثل أكبر تهديد وشيك لأعضائه في قمة إسطنبول في عام 2004. ولما كانت تركيا هدفا رئيسيا للإرهاب العابر للحدود، فإنها واصلت الاضطلاع بدورها حليفا استراتيجيا للغرب وساهمت في جميع الصراعات تقريبًا ضد مختلف التهديدات الناشئة.

على أنه منذ أن بدأ ميزان القوى العالمي في التحول، حيث تعثرت قيادة أمريكا وبدأت القوى العالمية مثل روسيا والصين في اتخاذ موقف أكثر حزماً في سياساتها الخارجية، قررت تركيا أيضًا السعي للحصول على قدر أكبر من الاستقلالية في منطقتها واتباع سياسة خارجية أكثر استقلالية حتى تتمكن من مواجهة عدم الاستقرار السياسي المتزايد في جوارها. وشملت الإجراءات التي اتخذتها تنويع العلاقات الاقتصادية الخارجية وزيادة القدرة المادية. وتحقيقًا لهذه الغاية، بدأت تركيا في تطوير سياسة خارجية محورها أنقرة تعارض أي تطورات تضر بأمنها القومي.

لا تزال تركيا مصممة على الحفاظ على تحالفها مع الغرب ولكنها تطالب بمراجعة شروط العلاقة التي أصبحت غير مناسبة للعصر في ضوء التطورات على المستويين الإقليمي والعالمي. وفي الوقت نفسه، يتعين على الغرب أن يواجه صعوبة في الرد على مختلف التحديات التي تطرحها الهيمنة الغربية، كما في حالة أوكرانيا وجورجيا وسوريا، في وقت عادت فيه روسيا إلى سياساتها التقليدية المناهضة للغرب وبدأت الصين في إنشاء مؤسسات دولية بديلة ومشاريع اقتصادية عالمية.

أخفقت الولايات المتحدة والقوى الغربية الكبرى في الاستجابة لهذه التحركات الطموحة، على الأقل فيما يتعلق بالمناطق المحيطة بتركيا. وانتهى الأمر النهاية بفشل الغرب في منع تدفق القوى الأخرى إلى المنطقة لملء الفراغ لتشكيل السياسة الإقليمية وحتى تفضيل التعاون مع بعض الجماعات المعادية لتركيا. وقد أثر الدعم الغربي لتنظيم فتح الله غولن الإرهابي وتنظيم “ي ب ك” الفرع السوري لتنظيم بي كي كي الإرهابيين، تأثيرا كبيرا في دعم تركيا للغرب.

وكرد فعل على تغير أولويات الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو في الشرق الأوسط، كان على تركيا أن تبحث عن شركاء بديلين. وهذا هو السبب في أن تركيا قد حسنت علاقاتها مع روسيا، المنافس البديل الرئيسي والثقل الموازن للهيمنة الغربية/ الأمريكية. وأبرز مثال على ذلك عندما رفضت الإدارة الأمريكية العرض التركي لشراء صواريخ باتريوت، توصلت أنقرة إلى اتفاق مع روسيا لشراء نظام الدفاع الصاروخي S-400.

في وقت تزداد فيه التهديدات والتحديات العالمية متعددة الأبعاد والطبقات، هناك درجة عالية من الترابط بين تركيا وحلفائها في الناتو. لا ينبغي أن ننسى أن الدفاع الأوروبي يبدأ بتركيا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإرهاب الدولي والهجرة الدولية. لذلك، فمن الصعوبة بمكان بدء نقلة نوعية في العلاقات التركية الغربية.

إن الطريقة الوحيدة أمام الجانبين للتغلب على قضايا الصراع هي قبول الحقائق الجديدة وإعادة تحديد علاقات التحالف. فمن ناحية، يجب أن تقبل الدول الغربية الدور الجديد الذي تصمم تركيا على الاضطلاع به في جوارها وأن تأخذ المخاوف الأمنية التركية في الاعتبار. ومن ناحية أخرى، تحتاج تركيا إلى مواصلة مساهماتها في عمليات الناتو وتحدي التهديدات الصادرة من الشرق الأوسط.

محيي الدين أتامان

(ديلي صباح – ترجمة وتحرير ترك برس, 06/12/2019)

تسميات