خمسة أسئلة: مسجد آيا صوفيا الكبير الشريف.. استرداد حق

بأي المراحل التاريخية مرت آيا صوفيا التي رأيناها حتى يومنا هذا على ثلاثة أوضاع قانونية ككنيسة ومسجد ومتحف؟ هل كان قرار تحويل آيا صوفيا إلى متحف قانونياً؟ أي وضع قانوني يجب أن تتبع آيا صوفيا إذا أخذنا قانون الأوقاف في الحسبان؟ وهل يقيد القانون الدولي سلطة تركيا في عمل تعديلات متعلقة بآيا صوفيا؟ وما دلالة قرار فتح آيا صوفيا للعبادة الذي اتخذه الرئيس أردوغان ونُشر في الجريدة الرسمية بالتوازي مع قرار مجلس شورى الدولة؟

  1. بأي المراحل التاريخية مرت آيا صوفيا التي رأيناها حتى يومنا هذا على ثلاثة أوضاع قانونية، ككنيسة ومسجد ومتحف؟

في الأساس لا يستند تلاصق لفظَيْ “مسجد” وآيا صوفيا” إلى حنينٍ منّا إلى الماضي، ولكن إلى حقيقةٍ تاريخية مُجردة. إن هذه الحقيقة العتيقة كامنة في وصية السلطان محمد الفاتح الذي عهد إلينا بآيا صوفيا كرمز لسيادتنا لا كإرثٍ ثقافي. عقب فتح السلطان محمد الثاني لإسطنبول، -وعلى حد قول المرحوم سماوي إيّجة- ” كما جرت العادة؛ حولت آيا صوفيا إلى مسجد باعتبارها كنسية المدينة الكبرى”، وبينما تعرضت آيا صوفيا للتخريب مراراً قبل خضوعها للسيادة التركية، أي في زمن ما كانت كنيسة “هاجيا صوفيا”، حُميت منذ عام 1453 بكل فدائية، منتقلة إلى يومنا هذا كتحفة معمارية.

أما اليوم؛ فقد أنهى حكم الإلغاء الصادر عن الدائرة العاشرة من هيئة مجلس شورى الدولة “وضع المتحف” غير القانوني الذي أتى به قرار مجلس الوزراء عام 1934.

عقب ذلك؛ رجع هذا القدس المعظم إلى أصله بعد 85 عاماً قضاها كمتحف، وذلك بقرار من رئيس الجمهورية أردوغان نُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 10.7.2020.

  1. هل كان قرار تحويل آيا صوفيا إلى متحف قانونياً؟

بوسعنا أن نفسر تحويل آيا صوفيا إلى متحف بقرار مجلس الوزراء الصادر في الرابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1934 كتطور ظرفي. بالرغم من ذلك؛ اتخاذ هذا القرار بباعث سياسي أو غير ذلك لا يمكن أن يعفيه من ضرورة الالتزام بالقانون. يجب أن يلتزم بالقانون الوضعي على الأقل. إذ أن مبدأ دولة القانون الذي يمثل التعبير الحديث عن الالتزام بالقانون يتطلب أن يراعي المواطنون والحكومات على السواء قواعد القانون في كل أفعالهم وإجراءاتهم. والفكرة الجوهرية للنزعة الدستورية أيضاً تستوحي أساسها من فكرة تقييد سلطات الدولة التي تستخدم السلطات العامة.

عندما نقترب من القضية من هذا المنظور يجب أن نتناول أولاً القانون الذي تتبعه آيا صوفيا في الأساس، وكيف تحولت فيما بعد إلى متحف.

لقد حول السلطان محمد الفاتح آيا صوفيا إلى مسجد عقب الفتح، فيما أقام وقفاً يضم آيا صوفيا في داخله. يُوضح في سند وقفية هذا الوقف الذي يحمل اسم “وقف محمد خان الثاني بن مراد خان الثاني” أن آيا صوفيا قد وُقِفَت “كمسجد”. من ناحية أخرى؛ سُجلت آيا صوفيا في وثيقة ملكية الجمهورية التركية لعام 1936 -أي بعد عامين من قرار مجلس الوزراء سالف الذكر- “كمسجد” باسم “وقف أبو الفتح السلطان محمد”. وبناءً عليه فآيا صوفيا قانونياً تعد بمثابة ” وقف خيري غير منقول”. ولذلك؛ يجب أن تُفحص القضية من ناحية قانون الأوقاف أولاً.

  1. أي وضع قانوني يجب أن تتبع آيا صوفيا إذا أخذنا قانون الأوقاف في الحسبان؟

  اتبعت الدائرة العاشرة من هيئة مجلس شورى الدولة منهجية قرار صائبة في قرارها الصادر بتاريخ 2.7.2020، وفحصت القوانين القديمة والحديثة المتعلقة بالأوقاف التي أسست في العهد العثماني واجتهادات المحكمة الدستورية ومحكمة الاستئناف العليا ومجلس شورى الدولة والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. وقد أفاد قرار المحكمة الدستورية الصادر بتاريخ 30.1.1969 الذي أشار إليه مجلس شورى الدولة بأن ملكية أمتعة الوقف تعود إلى الوقف فقط. وبعد أن بين مجلس شورى الدولة أن سند الوقفية المؤسس للوقف يعد بمثابة قاعدة قانونية تلزم من يؤسس الوقف والأطراف الثالثة وحتى الدولة، أفصح المجلس عن هذا الرأي الاستشاري:

يعتبر استخدام ممتلكات الوقف وفقاً لإرادة مؤسسه ضرورة ملزمة.

  1. هل يقيد القانون الدولي سلطة تركيا في عمل تعديلات متعلقة بآيا صوفيا؟

علينا أن نبين على نحو قاطع أن وضع آيا صوفيا القانوني ليس قضية قانون دولي بأي حال. فاتخاذ قرار بخصوص وضع آيا صوفيا يخضع بالكامل لسلطة الجمهورية التركية باعتبارها دولة ذات سيادة. أما حدود هذه السلطة وإطارها فيرسمها قانوننا الوطني. فكما حُولت آيا صوفيا بقرار مجلس الوزراء عام 1934 -الذي استقر مجلس شورى الدولة اليوم على كونه مخالفاً للقانون- إلى مسجد، فإنها اليوم أيضاً اكتسبت صفة مسجد من جديد بقرار من رئيس الجمهورية وبموجب القانون.

يفيد البعض بأن للمسألة بعداً خاصاً بالقانون الدولي بسبب وقوع آيا صوفيا ضمن قائمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي ومعاهدة حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي” التي نعد طرفاً فيها. تلزم هذه المعاهدة تركيا بحماية الكيانات التي تعد بمثابة إرث ثقافي وطبيعي الموجودة على أراضيها، وفتحها للزيارة، وضمان وصولها إلى الأجيال القادمة، ولا تتضمن أي حكم يشكل عائقاً أمام حصول آيا صوفيا على الوضع القانوني الذي تستحقه والذي يعد إلزامياً وفقاً لقانوننا الداخلي أي لا يوجد ما يمنع فتحها للعبادة.

علاوة على ذلك؛ قبلت وتعهدت الدول الأطراف في المعاهدة إلى جانب المادة السادسة منها بالاحترام الكامل لسيادة تركيا على إرثها الثقافي والطبيعي بما فيه آيا صوفيا وعدم إلحاق الضرر بحقوق ملكيتها التي ضمنتها قوانينها الوطنية.

  1. ما دلالة قرار فتح آيا صوفيا للعبادة الذي اتخذه الرئيس أردوغان ونُشر في الجريدة الرسمية بالتوازي مع قرار مجلس شورى الدولة؟

استندت الدائرة العاشرة في مجلس شورى الدولة إلى الحيثيات القوية التي بيننا جزءا منها في الأعلى، فيما ألغت قرار مجلس الوزراء الذي حول مسجد آيا صوفيا إلى متحف. شددت الدائرة قبل كل شيء على مخالفة قرار مجلس الوزراء المذكور للمادة الأولى من القانون رقم 864 بتاريخ 19.9.1926 المنظم للقانون المدني التركي، إذ تحمي المادة أوقاف العهد العثماني والأملاك المخصصة لها. تقضي المادة المذكورة بأن يُنظم الوضع القانوني لآيا صوفيا على النحو الذي يحدده سند الوقف الذي تعود إليه. المحكمة العليا أشارت إلى أن الإدارة العامة للأوقاف قد تسلمت إدارة آيا صوفيا وأنها تخضع لملكية السلطان محمد الفاتح وعليه فهي تخضع لضمانة القانون التركي.

شُدد في قرار الإلغاء على أنه لا يمكن أن تغير الدولة صفة آيا صوفيا وغرض الاستخدام الذي حُدد في سند الوقف الخاص بها أي وصف المسجد. أما القيمة العملية لقرار الإلغاء فقد اكتسبها بقرار رئيس الجمهورية الذي فتح آيا صوفيا للعبادة مجدداً وأعادها إلى هوية “آيا صوفيا الجامع الكبير الشريف”.

 

 

تسميات