خطوات تركيا الثلاث الرئيسية في شرق البحر المتوسط

لا بد من الإجابة على أسئلة من قبيل: هل ستتعاون روسيا، التي تدعم شركة مقاولة عسكرية خاصة في ليبيا، مع مصر واليونان، وتتحمل خطورة مواجهة تركيا؟ وهل ستشارك الولايات المتحدة، التي تتغافل حتى الآن عن القضية الليبية، بشكل أكثر فاعلية؟ وهل تستطيع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يمكّنا تركيا وروسيا من إعادة كتابة الملف الليبي؟

اتخذت تركيا مؤخراً ثلاث خطوات أساسية لتغيير ميزان القوى في شرق البحر المتوسط. وتشير تلك التدابير العسكرية والدبلوماسية، التي اتخذتها بهدف تعزيز موقفها على طاولة المفاوضات، إلى أن قضية ليبيا تحتل مكانةً بارزة على جدول الأعمال التركي، شأنها شأن الملف السوري.

أولى هذه الخطوات تمثلت في توقيع تركيا مذكرة تفاهم خاصة بالتعاون الأمني والعسكري مع ليبيا بشأن ترسيم الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط. الأمر الذي منع اليونان والقبارصة الروم من حصر السلطة البحرية التركية في حدود خليج أنطاليا. وهذا ما جعل أثينا تشعر بالقلق من تحرك أنقرة، وتحاول العمل بشكل وثيق مع القاهرة وباريس. ومن المقرر أن يجتمع وزراء خارجية البلدان الثلاثة في مصر يوم السبت 4 يناير، مع ذلك، لا يمكن “للتعاون الإقليمي” أن يتم بدون تركيا.

في الوقت نفسه، تعتزم الحكومة التركية، بناء على دعوة من حكومة الوفاق الوطني، نشر قوات عسكرية في ليبيا. وسيناقش البرلمان التركي في اجتماعه الوشيك، التصويت على مشروع قانون يجيز العمليات العسكرية في ليبيا. ومن المرجح أن يدعم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، هذا القرار.

كذلك بدأت تركيا تحركات دبلوماسية حثيثة للمساهمة في الحل السياسي للصراع الليبي، من خلال العمل الوثيق مع حكومات تونس والجزائر وقطر. ومن المتوقع أن تتغير موازين القوى شمال إفريقيا، إذا ما تمكنت تركيا من التعاون الفعّال مع تلك الدول.

غني عن القول إن اليونان ومصر، اللتين أقلقتهما خطوات تركيا الأخيرة، ستبذلان كل ما في وسعهما لمنع التواجد العسكري التركي في ليبيا. ويستعد البلدان حالياً بحسب وسائل الإعلام، لإطلاق عملية مشتركة تسمى “ميدوسا”. ومهما يكن الحال، فإن إظهار القوة العسكرية لتركيا من شأنه أن يمكن الأتراك من دعم العملية السياسية في ليبيا وتعزيز قوتهم على طاولة المفاوضات المتعلقة بشرق المتوسط.

يعتمد خليفة حفتر في سعيه للإطاحة بالحكومة الليبية المعترف بها دولياً، على آلاف المرتزقة الروس والسودانيين. وتتواجد قواته حالياً على بعد 30 كيلومتراً عن طرابلس. مما يؤكد أن العاصمة الليبية ستسقط قريباً وستغرق البلاد في حرب أهلية طويلة الأمد إذا لم تتدخل تركيا.

وبما أن الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعترف -ولو على الورق- بحكومة الوفاق الوطني باعتبارها الحكومة الشرعية لليبيا، فإن المجتمع الدولي يجب أن يقدم الدعم للحكومة الليبية التي اعترف بها، كي يجبر حفتر على التفاوض بشأن الشروط. ووفقاً للمصادر، فإن نشر القوات التركية يمكن أن يرجح الكفة لصالح الجيش الوطني.

في هذه الحالة، لا بد من الإجابة على أسئلة من قبيل: هل ستتعاون روسيا، التي تدعم شركة مقاولة عسكرية خاصة في ليبيا، مع مصر واليونان، وتتحمل خطورة مواجهة تركيا؟ وهل ستشارك الولايات المتحدة، التي تتغافل حتى الآن عن القضية الليبية، بشكل أكثر فاعلية؟ وهل تستطيع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يمكّنا تركيا وروسيا من إعادة كتابة الملف الليبي؟

يشير اجتماع قادم بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى أن واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء الدور النشط الذي تلعبه موسكو في ليبيا. ومن المقرر في هذه الأثناء، أن يجتمع أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في إسطنبول يوم 8 يناير. ومن المتوقع أن تفضي مناقشاتهما الهامة إلى تسهيل حل سياسي في ليبيا.

كذلك تحتاج روسيا إلى اتخاذ قرار بشأن ليبيا، خصوصاً بعد أن كشفت تركيا عن أوراقها. وبالرغم من أن موسكو لا تظهر وقوفها إلى جانب الجيش الوطني الليبي، لكن مجموعة “فاغنر”، وهي شركة عسكرية خاصة لها علاقات وثيقة مع الكرملين، تقف بشكل واضح مع هذا الجيش وتدعمه.

ومع أنه من غير المتوقع أن يراقب الكرملين الصراع الليبي دون التدخل به، إلا أنه ليس من المعقول توقع انضمام موسكو إلى أنقرة، مما يعرض علاقاتها مع مصر والسعودية واليونان والإمارات العربية المتحدة للخطر. لكن الأمر الأكثر واقعيةً هو أن يضع بوتين نفسه “وسيطاً مخلصاً” بين الطرفين المتحاربين ومؤيديهم. عندها يمكن للدبلوماسية الناجحة بين أردوغان وبوتين التي مارساها منذ سنوات حتى الآن، أن تسهم في إيجاد حل سلمي.

تسعى وسائل الإعلام الغربية والعربية أن تُظهر تحركات تركيا على أنها توسع “عثماني” و”إسلامي” جديد. كما تلعب المعارضة التركية للأسف دوراً في الإساءة إلى الدعم العسكري التركي لحكومة ليبيا الوطنية، وإظهاره على أنه تورط تركي في المسرح الليبي، دون أخذ المصالح التركية في شرق البحر المتوسط وليبيا بعين الاعتبار.

على النقاد والمراقبين الذين يحثون إدارة أردوغان على التهافت تجاه إسرائيل ومصر بحجة كسر “عزلة” تركيا في الشرق الأوسط، أن يفهموا أن أنقرة لا يمكنها الجلوس على طاولة المفاوضات دون أن تعزز موقفها، وإلا فإن نتائج المفاوضات لن تكون عادلة ولن يكون أمام تركيا خيارات أخرى.

برهان الدين ضوران

(31/12/2019 Daily Sabah)

تسميات