جيل الثورات بعد 10 سنوات

لا زال الجيل "زد" أو جيل ثورات الربيع العربي يعيش واقعا مأساويا وحربا مضادة تستهدف استئصال طموحه وقمع حتى خياله وحلمه في ظل سعيه لابتكار الأدوات اللازمة للوصول إلى هذا الطموح. ومع أن تلك اللحظة البارقة التي لمعت كوميض فجر حرية لهذا الجيل ما زالت حاضرة في ذهنه لكنها لم تتفتق بعد عن برامج عمل ومشاريع متكاملة قد تنجح يوما خاصة أن هذا الجيل يفضل المشاريع والمبادرات الإبداعية على الخطاب والعمل التقليدي.

لا تزال معركة التنافس على الجيل الصاعد بين الأحزاب والإيديولوجيات المختلفة حتى في الدول المستقرة نسبيا معركة مستمرة، واليوم ربما يرى ما قد يمكننا تسميته جيل الربيع العربي في بلدان اللجوء كيف تدور هذه المعركة إن جاز التعبير على كسب هذه الأجيال، وكيف أصبح هو ضحية القهر والظلم والتشريد من قبل أنظمة بلاده.

يدور الحديث اليوم عن الجيل “زد” وهو الجيل الذي يلي جيل الألفية والذي يسمى بالجيل “واي” وحسب بعض الدراسات فإن هذا الجيل “زد” يبدأ مع مواليد عام 1993 وحسب دراسات أخرى فإنه يبدأ مع مواليد العام 1997، ورغم الاختلاف حول التحديد الدقيق لبداية هذا الجيل فإن أهم ما يميزه هو النمو الرقمي والبراعة التكنولوجية والاستخدام الواسع للإنترنت وتطبيقات الهواتف النقالة، كما يتميز بأنه الأكثر تعليما مقارنة بالأجيال السابقة. فيما يتمسك بمعاني وقيم الحرية والديمقراطية والتعايش بشكل عام.

لقد تابعنا الانتخابات الأميركية مؤخرا – حيث لا انتخابات في بلادنا للأسف- ورأينا الأبحاث حول حضور الشباب في الانتخابات بالرغم من أن الشريحة الانتخابية الشبابية لا تصل إلى عشر الكتلة الناخبة في الولايات المتحدة. ويمثل عدد سكان منطقة الشرق الأوسط بين 15 و24 عاما نحو ثلث السكان.

وأنا أقرأ لما نقل عن الجيل “زد” في الولايات المتحدة يقوم عقلي مباشرة بعملية مقارنة مع ذات الجيل في بلادنا حيث يعبر أحد أبناء هذا الجيل في الولايات المتحدة بالقول “كنا في الحضانة عند وقوع هجمات 11 سبتمبر وكنا في الثانوية العامة عندما أغارت قواتنا على أسامة بن لادن وقتلته”. لكن المفارقة أن الجيل “زد” في الولايات المتحدة يرى أنه يعيش فترة أميركا المتعثرة والتي باتت هيمنتها مهددة مقارنة بأميركا بعد الحرب الباردة”.

إذا كان هذا حال الجيل “زد” في الولايات المتحدة فماذا يقول أبناء الجيل زد في العراق الذين ولدوا ووجدوا بلدهم محتلا ومدمرا؟ ولست متأكدا من أنهم دخلوا في عملية تعليمية حقيقية حتى أقول إنهم ما زالوا بعد 15 عاما  من الدراسة يرون بلدهم مسرحا للحرب بالوكالة. وماذا يقول أبناء الجيل زد من سوريا ومن لبنان ومن اليمن ومن ليبيا ومن فلسطين ومن سائر بلدان المنطقة الذين ربما ليسوا بحاجة لتذكر حدث يتيم حصل عندما كانوا في الحضانة فكل يوم من حياتهم في هذه المنطقة شهد حدثا أكبر من سابقه فاللبناني سيعد لك ما بين اغتيال رفيق الحريري وانفجار مرفأ بيروت آلاف الأحداث، وكذلك هذا الجيل الذي تفتحت أعينه قبل 10 سنوات على هتافات الحرية والكرامة والديمقراطية والتي لا يزالون يبحثون عنها وهم يتذكرون البوعزيزي في سيدي بوزيد والأطفال المعتقلين في درعا.

على مستوى التكنولوجيا والاستخدام الواسع للإنترنت والهواتف النقالة والوسائط يعتبر هذا الجيل رائدا وقد رأينا كيف استخدم الناشطون والشباب تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي في بداية ثورات الربيع العربي.

واليوم أصبح استخدام هذه الوسائل أكثر شيوعا واتساعا حيث تشير بعض الدراسات مثل مؤشر الرأي العربي والذي صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إلى أن نحو 86%  من العالم العربي يمتلك حسابات على “فيس بوك” و84% على “واتساب” و43% على “تويتر” و56% على “انستغرام” و44% على “سناب شات”. ومع ذلك فإن ذات الدراسات تشير إلى أن الأهداف هي اجتماعية لتكوين الروابط وليست لأهداف سياسية. كذلك الحال مع هذا التزايد في استخدام وسائل التواصل فقد تنبهت الأنظمة القمعية والأنظمة التابعة لها لهذه المنصة المهمة وقامت بابتكار أدوات مضادة وما عرف بظاهرة الذباب الإلكتروني وغيرها أصبحت ظاهرة معروفة في المنطقة.

لا زال الجيل “زد” أو جيل ثورات الربيع العربي يعيش واقعا مأساويا وحربا مضادة تستهدف استئصال طموحه وقمع حتى خياله وحلمه في ظل سعيه لابتكار الأدوات اللازمة للوصول إلى هذا الطموح. ومع أن تلك اللحظة البارقة التي لمعت كوميض فجر حرية لهذا الجيل ما زالت حاضرة في ذهنه لكنها لم تتفتق بعد عن برامج عمل ومشاريع متكاملة قد تنجح يوما خاصة أن هذا الجيل يفضل المشاريع والمبادرات الإبداعية على الخطاب والعمل التقليدي.

 [تلفزيون سوريا]

تسميات