الدبلوماسية في زمن كورونا

الحياة تستمر وكذلك الدبلوماسية، إذ يجب التعامل مع مسألة اتفاق تركيا مع روسيا بشأن إدلب وأزمة اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي.

من الإنصاف أن نقول إن العالم ينصب تركيزه حاليًا على تفشي وباء كورونا. الخوف من المرض يوحدنا جميعًا، فنحن نراقب انتشار الفيروس ونكيف حياتنا اليومية باتخاذ الاحتياطات وفقًا لذلك. القلق الحالي للمجتمع  من الإصابة بالمرض لا يشبه أي قلق أمني في السابق. لقد تجاوز رد الفعل بكثير ما حدث من قبل مع الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل أو مع الأعمال الإرهابية. يوشك العالم أن يتكيف مع لون حياة مختلف تمامًا. إن عزل الذات تمامًا أمر مستحيل عمليًا، إذ يعتمد البشر بوصفهم حيوانات اجتماعية، على إخوانهم من البشر لتلبية احتياجاتهم. يجب أن نتعلم كيف نعيش بحذر أكبر، دون أن نصاب بالذعر. يمكننا فقط تجنب الفصول الدراسية أو العمل إلى نقطة معينة. يجب أن نتعلم كيف نتعايش مع الفيروس في مرحلة ما.

لكن الحياة تستمر وكذلك الدبلوماسية، إذ يجب التعامل مع مسألة اتفاق تركيا مع روسيا بشأن إدلب وأزمة اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي.

يجب ألا ننسى أن أزمة إدلب عملية طويلة. اختتم وفدا تركيا وروسيا للتو مفاوضات تهدف إلى جعل وقف إطلاق النار في إدلب مستدامًا. أعلن وزير الدفاع خلوصي أكار أن البلدين وقعا اتفاقًا نهائيًا، إذ قام البلدان بأول مهمة دورية مشتركة بينهما على الطريق السريع M4 في إدلب أمس. ستمنع مراكز التنسيق المشتركة الانتهاكات المحتملة. يشار إلى أن أكار وصف المحادثات بأنها “بناءة”. إن إبقاء الجماعات المتطرفة تحت السيطرة ووقف انتهاكات نظام الأسد لوقف إطلاق النار سيكون تحديًا خطيرًا.

أنقرة مصممة على الانتقام من هجمات النظام، فقد تعهد الرئيس، رجب طيب أردوغان، بالفعل باتخاذ مزيد من الخطوات العملية، إذا نكث النظام وعوده. يبدو أن وقف إطلاق النار الدائم يتطلب من تركيا وروسيا أن تكونا حاسمتين وأن تنسقا إجراءاتهما على الأرض. في أعقاب اتفاق 5 آذار/ مارس، من المتوقع أن تبقى إدلب هادئة نسبيًا لبضعة أشهر.

ومع ذلك لنتذكر نقطة واحدة: لم تنته أزمة إدلب بالكامل نتيجة لذلك الاتفاق. يبدو مقدرًا أنها ستدوم فترة زمنية أطول. لن تتوقف موسكو ودمشق عن محاولة السيطرة على المنطقة. وبعبارة أخرى، ما يزال التصعيد الجديد ممكنًا، وهو ما يعني أنه لا يمكننا الاسترخاء وتهدئة جهودنا الدبلوماسية. ومع  أن الحكومات في جميع أنحاء العالم مشغولة بوباء “كوفيد 19″، يجب أن تكون إدلب ومصير اللاجئين السوريين على رادار الجميع. يجب على تركيا أن تتفاوض مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإنشاء منطقة آمنة في إدلب.

وفي النهاية، فإن جهود الحفاظ على وقف إطلاق النار ومنع تدفق 3 ملايين سوري على الحدود التركية ستحدد طبيعة التحول السياسي في سوريا. يبقى جوهر الصراع كما هو: إذا سمحت تركيا لنفسها بالخروج من إدلب، سينتهي بها الأمر بالتأكيد إلى تراجع مناطقها الآمنة الثلاث في شمال سوريا، الأمر الذي سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في أوروبا.

تحتاج تركيا والاتحاد الأوروبي إلى مواصلة الحوار بينهما. يتعين على القادة الأوروبيين التوقف عن المماطلة وتنحية خلافاتهم لمنع روسيا من لي ذراع الاتحاد الأوروبي. لا يمكن أن تكون معاملة اليونان اللاإنسانية للاجئين درع أوروبا ضد الهجرة غير الشرعية. بدلًا من ذلك، يجب على بروكسل إنشاء إطار عمل واسع للتعاون مع أنقرة، يتضمن تحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي ودعمًا ماليًا إضافيًا. وبعبارة أخرى: البداية الجديدة هي أفضل خيار متاح.

يجب على تركيا بدورها مواصلة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مهما كانت المفاوضات طويلة ومملة. في ضوء زيارة أردوغان لبروكسل، سيكون هناك يومان مهمان للمفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي: 17 و26 آذار/ مارس. عندما تزور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تركيا في اليوم السابق، يجب أن يكونا مستعدين لتقديم عرض جاد. لا يوجد حل قصير الأجل لأزمة اللاجئين. يجب أن تضع ميركل وماكرون في الحسبان عند لقائهما الرئيس التركي المصالح الاستراتيجية الأوروبية طويلة المدى، بما في ذلك الحاجة إلى موازنة نفوذ روسيا. ومن المنطلق نفسه، يجب على ألمانيا وفرنسا إلقاء ثقلهما وراء إعادة المفاوضات مع تركيا في قمة زعماء الاتحاد الأوروبي في 26 مارس.

[ديلي صباح 16 مارس 2020]

تسميات