التحرك الجديد للتحالف التخريبي: الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي

حققت إسرائيل بهذا الاتفاق مكاسب دون تقديم أية تنازلات. فحينما عقدت إسرائيل اتفاقًا مع مصر عام 1979 قامت بالانسحاب من سيناء، وعندما اتفقت مع الأردن عام 1994 قدمت تنازلات بشأن العديد من المناطق عند الحدود وعلى نهر الأردن وفي الضفة الغربية. أما هذا الاتفاق؛ فلا يشكل لها أية تكلفة. فحتى تأجيل خطط الضم لفترة قصيرة يصب في مصلحة نتنياهو...

أعلن ترامب الخميس الماضي عن التوصل إلى اتفاق بشأن تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، على أن تقوم إسرائيل بتعليق خطة ضم أجزاء من الضفة الغربية في مقابل ذلك. واعتبر ترامب ذلك خطوة هامة على طريق حل قضية إسرائيل وفلسطين، و-بطبيعة الأمر- إنجاز لإدارته.

تشير الأطراف إلى الاتفاق باستخدام تعبيرات مختلفة، ففيما يستخدم نتنياهو تعبير “اتفاق تطبيع”، فضّل بن زايد تعبير “خارطة طريق”.

وحينما ندقق النظر في التأثيرات السياسية التي يشير إليها الاتفاق بالنسبة للأطراف على المدى القصير والمتوسط، يتجلى أمامنا المشهد التالي:

أضفت الإمارات طابعًا رسميًا على علاقاتها مع إسرائيل من ناحية، وانتقلت بالعلاقات الثنائية وعلاقات التحالف على الصعيد الإقليمي مع إسرائيل إلى مرحلة أكثر تقدمًا من ناحية أخرى. وبهذا ستسعى للاحتفاظ بدعم إسرائيلي أكثر قربًا لسياستها الإقليمية التي تديرها ضمن عداءها لتركيا.

لا يمكن قراءة الاتفاق بمعزل عن طلبات “التطبيع مع تركيا” التي ترِد من مستويات مختلفة في إسرائيل، ولا عن رد الفعل القوي الذي أبداه وزير الدفاع خلوصي أكار ضد الإمارات، بسبب دعمها للإرهاب. بعبارة أوضح؛ يمكن القول إن الإمارات أصابها الارتباك، واتخذت قرار التطبيع مع إسرائيل قبل تحرك تركي محتمل.

من جهة أخرى؛ من الواضح جدًا أن الإمارات لجأت إلى الأعمال الدعائية، بغرض تجنب التكلفة التي قد تسفر عنها خطوة التطبيع في العالم العربي. وتجنب بن زايد استخدام تعبير “اتفاق”، وادعاؤه تعليق خطة الضم مهم جدًا بهذا المعنى.

تدعي المعلومات المسربة للصحافة أن المباحثات تتواصل منذ 18 شهر، إلا أنها تعثرت بسب خطة الضم الإسرائيلية. ووفقاً لهذه الادعاءات؛ أبدت الإمارات رد فعل قوي على خطط الضم الإسرائيلية، وأكدت على أنه في حال أصرت إسرائيل على موضوع الضم، فإن التوصل لاتفاق معها سيكون غير ممكنًا.

ولكن عند النظر إلى محتوى القضية، يُفهم بكل أريحية أن هذه المعلومات موجهة لعمل دعائي. ذلك أن ترامب حينما أعلن عن “اتفاقية القرن” التي تزيل فلسطين من الوجود كان بجانبه سفير الإمارات بواشنطن، وقد صفق الأخير للاتفاقية بحفاوة بالغة. الأكثر من ذلك أن الإمارات هي نفسها من مارس الضغط على الفلسطينيين من أجل القبول بتلك الاتفاقية.

تصريح نتنياهو بأنه لم يقم بالتراجع عن خطة الضم، ولكنه أجلها لفترة قصيرة يدحض بشكل واضح ادعاءات الإمارات، ويظهر بشكل واضح أن خطاب الإمارات يُستخدم فقط للتخفيف من وطأة ردود فعل العالم العربي وفي القلب منه فلسطين على الاتفاق.

عند النظر من ناحية إسرائيل، فهذا الاتفاق يمثل مكسبًا هامًا بالنسبة لها. فقبل كل شيء؛ أضحت إسرائيل “مُطبِعَة” مع بلد عربي آخر. وينبغي عدم تجاهل احتمالية أن يؤثر هذا الاتفاق على دول الخليج الأخرى تأثير الدومينو. سيناريو كهذا يعني مكسب إضافي لصالح إسرائيل.

سيواصل دور الإمارات التخريبي الفوضوي المتوافق مع استراتيجية إسرائيل الإقليمية عمله بصورة رسمية على هيئة تحالف مع إسرائيل.

حققت إسرائيل تلك المكاسب دون تقديم أية تنازلات. فحينما عقدت إسرائيل اتفاقًا مع مصر عام 1979 قامت بالانسحاب من سيناء، وعندما اتفقت مع الأردن عام 1994 قدمت تنازلات بشأن العديد من المناطق عند الحدود وعلى نهر الأردن وفي الضفة الغربية. أما هذا الاتفاق؛ فلا يشكل لها أية تكلفة. فحتى تأجيل خطط الضم لفترة قصيرة يصب في مصلحة نتنياهو. إذ هو بذلك يكون قد وجد طريقًا لنزع فتيل الخلاف الذي يعيشه في هذا الموضوع مع شركاءه في السلطة غانتس وغابي أشكنازي.

أما بخصوص تعليق نتنياهو لخطة الضم؛ فليس من الممكن تصديق أن تتخذ إسرائيل موقفًا يدفعها للخضوع لتعهد أو التوقيع على اتفاق ملزم. وحتى لو تعهد نتنياهو بوعد كهذا، لن يكون من المفاجئ أن يقدم هو نفسه أو حكومة أخرى على القيام بعمل عكسه بعد فترة قصيرة.

وعندما ننظر من منظور السياسة الإقليمية يمكن القول بأن هذا الاتفاق يتماشى مع معادلة الاستراتيجيات الجديدة، والتحالفات والتحالفات المضادة التي ظهرت عقب 2010. فعند أخذ التنافس القائم بين المحور الراغب في أن ينشأ نظام جديد يستند إلى إرادة الشعوب في المنطقة، والتحالف التخريبي الذي تقوده الإمارات وإسرائيل بعين الاعتبار، نجد أنّ هذا الاتفاق ليس مفاجئًا.

كان هذا الاتفاق الذي نشأ نتيجة التوافق بين إسرائيل والإمارات ينتظر الزمان والظروف المواتية ليظهر.

[نُشر بالتركية في جريدة صباح في 15 أغسطس 2020]

تسميات