f هل يمكن أن تنتعش العلاقات التركية الأمريكية مجدداً؟ | الاستراتيجية | SETA هل يمكن أن تنتعش العلاقات التركية الأمريكية مجدداً؟ – SETA

هل يمكن أن تنتعش العلاقات التركية الأمريكية مجدداً؟

وفيما يتعلق بسياسة الإدارة الأمريكية القادمة بشأن تركيا فمن المؤكد أنها ستعكس ميزان القوى العالمي وأولويات واشنطن في الشرق الأوسط. وإذا تحرك بايدن لتمكين الناتو ومواجهة روسيا، فسيكون ثقل أنقرة حاسماً في التضامن داخل الحلف وكقوة موازنة بحكم الأمر الواقع ضد موسكو في ليبيا وسوريا والقوقاز. ويمكن لتركيا أن تمارس نفوذاً أكبر على أوروبا الشرقية ومنطقة البحر الأسود أيضاً.

أعلن جو بايدن يوم السبت فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، التي تميزت بإقبال كبير من الناخبين إضافةً إلى الخطاب الغاضب الذي ساد معظم أجوائها. وبالرغم من أن الرئيس الحالي دونالد ترامب ألمح إلى نيته الطعن في نتيجة هذه الانتخابات في المحاكم وفي الشارع أيضاً، إلا أن هذه الخطوات لا يتوقع لها أن تسفر عن عظيم نتائج حيث قام أفراد أسرته بدايةً بدعوته إلى التنازل عن الحكم. كما أنه من غير المرجح أن تحكم المحكمة العليا الأمريكية فيما يتعلق ببطاقات الاقتراع عبر البريد بشكل إيجابي. ويبدو أن ترامب سيسعى إلى الحفاظ على شعبيته من خلال المسيرات لحماية نفسه من الإجراءات القانونية المحتملة.

ويتطلع الجميع في الوقت الحالي، إلى فريق بايدن الذي يوشك أن يشكله وإلى أولويات سياسته الداخلية والخارجية. ويتوقع أن تكون الأولوية القصوى للإدارة القادمة هي تخفيف الاستقطاب المتفشي في الداخل. وفي الوقت نفسه، يتعين على بايدن التركيز أولاً على مكافحة جائحة كوفيد-19 وعلى العنصرية، مع مراعاة رفض ترمب للاستقالة. وللمضي قدماً، يجب على الإدارة المقبلة أن تضع على رأس سياستها “شفاء” أمريكا الذي يعني إصلاح الضرر الذي ألحقه ترامب. وبالرغم من أن هذا الشعار سيخدم بايدن الذي تم انتخابه من قبل تحالف واسع مناهض لترامب، إلا أن إدارته ستحتاج مع ذلك إلى تحقيق بعض الانتصارات على الجبهة الداخلية. مع الأخذ بعين الاعتبار أن السياسة المشتركة بين الأحزاب المتنافسة ستعود إلى الولايات المتحدة لكن هذا الأمر سيتطلب الكثير من المفاوضات لإبقاء هذا التحالف الانتخابي راضياً.

وعلى الساحة الدولية، يتمثل التحدي الرئيسي لإدارة بايدن بإقامة نظام جديد. فالولايات المتحدة لا يمكنها أن تكرر نفس السياسات السابقة، وليس من السهل أن تنتهج سياسات جديدة بالمطلق. والنظام الليبرالي المزعوم، الذي جعله ترامب أكثر فوضى، كاد ينهار بالفعل في ظل إدارة باراك أوباما. ولذلك فمن غير المرجح أن تكون رئاسة بايدن كما لو أنها ولاية ثالثة لأوباما، بل يتوقع أن تأخذ منحىً متوسطاً بين ولاية أوباما الثانية ورئاسة ترامب.

إن هدف أمريكا المعلن لتقوية المنظمات والتحالفات الدولية سوف يتعارض بشكل مباشر مع المصالح الوطنية لواشنطن وتقاليد الانعزالية. ومن المتوقع أن تسعى إدارة بايدن إلى تحقيق توازن جديد مع الصين، وعلى نطاق أوسع مع روسيا. وبالرغم من أن الولايات المتحدة ستسعى جاهدة للعمل بشكل أوثق مع الاتحاد الأوروبي، فلا يوجد سبب للاعتقاد بأن الحلف الأطلسي يمكن أن يبني نظاماً ليبراليا جديداً. وبالتالي، من المرجح أن تستأنف سياسات القوة العظمى في ظل إدارة بايدن مع بعض التعديلات. وبرأيي، لن تذهب واشنطن إلى أبعد من الاستخدام الانتقائي للقوة الصارمة، والتي لن تكون كافية لبناء نظام جديد.

أما فيما يتعلق بسياسة الإدارة الأمريكية القادمة بشأن تركيا فمن المؤكد أنها ستعكس ميزان القوى العالمي وأولويات واشنطن في الشرق الأوسط. وإذا تحرك بايدن لتمكين الناتو ومواجهة روسيا، فسيكون ثقل أنقرة حاسماً في التضامن داخل الحلف وكقوة موازنة بحكم الأمر الواقع ضد موسكو في ليبيا وسوريا والقوقاز. ويمكن لتركيا أن تمارس نفوذاً أكبر على أوروبا الشرقية ومنطقة البحر الأسود أيضاً. وإذا تم إدارة أزمة إس-400 بنجاح، فمن المرجح أن تولّد علاقات تركيا مع روسيا مصالح مشتركة بدلاً من التوترات.

وفي الشرق الأوسط، من الوارد أن تقبل إيران عرضاً جديداً لتسويةٍ تفاوضيةٍ من إدارة بايدن. مع أن إعادة دمج طهران الجزئي في النظام الدولي من شأنه أن يزعج إسرائيل ودول الخليج، إلا أن هذا الأمر لا يمكن استبعاده لأنه قد يؤثر على ميزان القوى بين تركيا وإيران وإسرائيل ومصر والخليج.

ويجب في الأشهر الستة الأولى إدارة العلاقات الثنائية بين واشنطن وأنقرة بعناية فائقة. لأن بايدن على الرغم من انتصاره، لا بد أن يدرك أنه لن تكون هناك عودة إلى رئاسة أوباما وأن تأثير ترامب لن يتراجع بسهولة. ويعدّ تفعيل احتياجات العلاقة الأمريكية التركية بمثابة بداية جديدة، على عكس استخدام قانون العقوبات لمواجهة أعداء أمريكا والأحلام الفارغة حول إنشاء دويلة ي ب ك/بي كا كا الإرهابية. ولتحقيق هذا الهدف، يجب على الإدارة القادمة الاعتراف بدور تركيا النشط في الشؤون الإقليمية والعالمية واعتماد نهج واقعي. ويتعين على خطاب بايدن حماية العلاقات الثنائية بين البلدين التي ظلت مثقلةً بالأعباء منذ عام 2013.

وختاماً فإن تمكّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من التعاون مع الزعيم التركي رجب طيب أردوغان، بالرغم من التنافس معه في مجموعة واسعة من المجالات، يجب أن يكون مثالاً يحتذى بدلاً من تحركات إدارة بايدن التي يمكن أن تغذي التوترات مع أنقرة مما سيوصلها إلى العمى الاستراتيجي. ولن تتحقق مصلحة تركيا والولايات المتحدة إلا إذا وضع الديمقراطيون التحيز “الأيديولوجي” جانباً لبعض الوقت.

تسميات