هل يجد باشينيان ضالته “على أبواب فيينا”؟

ينتظر باشينيان أن يهب العالم المسيحي لمساعدته في الحفاظ على الأراضي الأذربيجانية التي يحتلها، ويثق كذلك في قدرة اللوبي الأرميني الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبقية الدول الغربية على إقناع تلك الدول بعدالة قضيته.

عندما أدرك رئيس وزراء أرمينيا التي تحصل على شتى أنواع الدعم لسياساتها الاحتلالية أنه لن يتمكن من التماسك عسكرياً أمام أذربيجان، شرع في استعداء مقولة “أبواب فيينا” التقليدية. حيث يزعج دعم تركيا لإخوانها الأذربيجانيين ضد الاحتلال الأرميني رئيس الوزراء الأرميني بشدة، ما دفعه لشكوى تركيا لدى أوروبا راجياً دعمها.

باشينيان الذي أدلى بتصريحات لقناة تلفزيونية فرنسية على اقتناع كامل بأن تركيا التي ادعى أنها تسعى وراء أحلام إمبراطورية ستطرق أبواب فيينا من جديد، إذا تكللت مساعيها نحو هذا الهدف بالنجاح، فيما زعم أن أرمينيا أضحت هي حائط الصد الأخير أمام سياسات تركيا التوسعية.

إن ما يسعى باشبنبان إلى القيام به واضح؛ فهو يدرك جيداً الصورة السلبية التي رُسمت لتركيا في الغرب، ويرغب في أن تقطع أنقرة دعمها لأذربيجان، وتغض الطرف فيما بعد عن سياساتها الاحتلالية، بل وتدعمها. لذا ينتظر أن يهب العالم المسيحي لمساعدته في الحفاظ على الأراضي الأذربيجانية التي يحتلها، ويثق كذلك في قدرة اللوبي الأرميني الموجود في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبقية الدول الغربية على إقناع تلك الدول بعدالة قضيته. تماماً كاليونان وجنوب قبرص الرومية؛ فهم أيضاً استخدموا مقولة “أبواب فيينا” على الدوام للتغطية على سياساتهم العدوانية الطامعة.

لطالما ذكّرت اليونان أوروبا بأبواب فيينا لضمان دعمها لسياسة حبس تركيا في مجال بحري ضيق، متذرعة بجزر بحر إيجة التي حصلت عليها بصورة غير مشروعة، والتي هي كذلك هي امتداد طبيعي للأناضول.

القبارصة الروم أيضاً لطالما انتظروا أن تتحرك أوروبا التي طلبوا دعمها ضد تركيا لدعمهم، خوفاً من “أبواب فيينا”، وكأنهم لم يكونوا هم من أفسد السلام في الجزيرة باعتداءات عام 1963، وانقلاب عام 1974، وسعى للتسلط على القبارصة الأتراك.

آه من أبواب فيينا!  لم تتمكن الدولة العثمانية من الدخول من أبواب فيينا التي حاصرتها، لكن القوى الاوربية فيما بعد لم تترك مكاناً في العالم الإسلامي إلا وأعملت فيه السلب والنهب، ومازالت أعمال السلب والنهب والاحتلال مستمرة إلى الآن، فكم من بلد إسلامي من العراق وأفغانستان إلى سوريا ومالي وليبيا يرزح تحت أحذية جنود الجيوش الغربية. العالم الإسلامي -لسوء الحظ- على هذا الوضع منذ أذعن للغرب قبل 200 عام.

لكن الآن ظهرت دول مثل تركيا وأذربيجان وفلسطين وغيرهم تريد الاستقلال والتخلص من المستعمرين والإمبرياليين الموجودين على أراضيها، غير آبهةً بالثمن الذي سيُدفع مقابل ذلك.

حسناً، ما الذي يقوم به رئيس وزراء أرمينيا التي تعتبر واحدة من المحتلين؟

يرسل باشينيان رسالة إلى أوروبا مفادها أنه إن لم تقدموا الدعم لممارساتنا الاحتلالية، ومنحتم هؤلاء الفرصة لرفع رؤوسهم فإنهم سيعودون لطرق أبواب فيينا.

لا يرسل الرجل بالرسالة إلى أوروبا وحدها، بل يرغب كذلك في توريط روسيا في الحرب؛ إذ يقصف المدن الأذربيجانية ويقتل المدنيين، ساعياً بذلك إلى استفزاز باكو للرد بالمثل في الأراضي الأرمينية، آملاً أن تدخل بذلك اتفاقية الدفاع الجماعي المُوقعة مع روسيا حيز التنفيذ، ومن ثم تدخل روسيا الحرب إلى جانبه.

والحق أن باشينيان لا يعتبر مخطئا في توقعاته وآماله من روسيا وأوروبا، لأن الإعلام الأوروبي لا يرى الاعتداءات الأرمينية التي تستهدف المدنيين في المدن الأذربيجانية. حيث إن هناك تعاطف في أوروبا تجاه أرمينيا؛ فليس هناك من يطالب أرمينيا بالانسحاب من الأراضي الأذربيجانية التي احتلتها، على العكس تماماً؛ الإعلام الغربي حوّل هذه الحرب أيضاً لفرصة لشن حملات تشويه ضد تركيا والرئيس أردوغان. فعناوين الصحافة تشير إلى أن أردوغان يقف خلف تلك الحرب، بدلاً من تفهم حق أذربيجان في تحرير أراضيها المحتلة.

علينا أن ننادي هؤلاء قائلين:

توقفوا عن خلق عداء ضد العالم الإسلامي عبر مقولة “أبواب فيينا”. إن أحداً لم يأت إلى أبواب فيينا. بالعكس، أنتم من طرقتم أبواب بغداد والقدس وطرابلس وكابل وباماكو، انسحبوا منها وعودوا أدراجكم. اتركوا تركيا وأذربيجان وشأنهما.

 

 

 

 

تسميات