مبدأ رفض الانقلابات العسكرية في السياسة الخارجية التركية

تعتبر حالة إدانة تركيا للمحاولة الانقلابية على رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان حالة نموذجية تدل على رفض تركيا للانقلابات حتى على الحكومات غير الصديقة

عاشت تركيا تجربة مريرة مع الانقلابات منذ انقلاب مايو/أيار 1960 وانقلاب سبتمبر/أيلول 1980 ومذكرة مارس/آذار 1971، وانقلاب ما بعد الحداثة في 28 فبراير/شباط 1997، وما عُرف بمحاولة انقلاب المذكرة الإلكترونية في أبريل/نيسان 2007، وأخيراً المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تصدى لها الشعب التركي تصدياً تاريخياً في ليلة 15 يوليو/تموز 2016.

وقد خاض حزب العدالة والتنمية معركة نضال طويلة منذ عام 2002 من أجل تخليص الحكومات المدنية من الوصاية العسكرية، ومن أجل إبعاد الجيش عن الحياة المدنية، وإبقائه في نطاق مهمته الأساسية وهي حماية حدود البلاد والحفاظ على البلاد من التهديدات العسكرية الخارجية، وبالفعل يمكن لمؤشر الصناعات العسكرية التركية والمناورات أن يرشدنا إلى درجة نجاح حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس أردوغان في القيام بذلك.

لم يقتصر بغض الأتراك ونفورهم من الانقلابات العسكرية على الحكومات المنتخبة ديمقراطياً على البعد المحلي، فقد أدانت تركيا كل المحاولات الانقلابية على الحكومات المنتخبة ديمقراطياً.

وكما لا يخفى على أحد موقف تركيا ممَّا حصل في مصر في 2013، إذ إن العلاقات بين تركيا ومصر لا تزال متوترة على خلفية إدانة تركيا لعزل الرئيس الراحل محمد مرسي، حيث رأت الحكومة التركية أن عزل الجيش للرئيس مرسي هو انقلاب عسكري، وقد قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 إنه لن يحترم “أبداً أولئك الذين يستولون على السلطة بانقلاب”.

وقد تطور الأمر في حالة ليبيا من رفض الانقلابات إلى العمل على إحباط المحاولات الانقلابية، ففي ديسمبر/كانون الأول 2019 قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن هناك دولاً تدعم اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، وإن تركيا لن تسمح بتكرار انقلاب مصر في ليبيا، مشدداً على أن تركيا ستلبي أي دعوة إلى إرسال قوات تركية لليبيا.

وبالفعل قامت تركيا خلال عام 2020 بتقديم دعم كبير لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً على المستوى العسكري والدبلوماسي ساهم في إحباط هجوم حفتر وحصاره للعاصمة طرابلس، ممَّا أدى بعد ذلك إلى بث الروح في عملية حوار سياسي على مستوى البلاد في ليبيا وبرعاية أممية.

وبعيداً عن جوار تركيا وحتى عن منطقة الشرق الأوسط أدانت تركيا الانقلابات في أمريكا اللاتينية وفي إفريقيا، وفي آسيا، لتصبح عملية إدانة الانقلابات غير مرتبطة بجغرافية معينة أو بمصالح معينة بل مبدأ ثابتاً في السياسة الخارجية التركية.

ففي أبريل/نيسان 2019 أدان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المحاولة الانقلابية ضد الرئيس الفنزويلي مادورو، مؤكداً أن “صناديق الاقتراع هي الأساس في الديمقراطيات”.

كما قال أردوغان: “يجب أن يعلم أولئك الذين يحاولون تعيين حاكم استعماري في فنزويلا أن كيفية إدارة بلد ما تحدد من خلال انتخابات ديمقراطية فقط، وباعتبارنا دولة كافحت الانقلابات وعانت من عواقبها السلبية ندين محاولة الانقلاب في فنزويلا”.

وفي السياق ذاته أكد وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو وقوف بلاده إلى جانب الشعب الفنزويلي دائماً، ومعارضتها محاولات تغيير الحكومات الشرعية بطرق غير ديمقراطية.

وفي أغسطس/آب 2020 عبّرت وزارة الخارجية التركية عن قلقها وحزنها العميقين حيال إجبار رئيس مالي “أبو بكر كيتا” على الاستقالة جراء انقلاب عسكري. مع تأكيدها “أن تركيا ستواصل الوقوف بجانب مالي الصديقة والشقيقة في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها”.

ومؤخراً وفي شهر فبراير/شباط 2021 أدانت تركيا محاولتين انقلابيتين الأولى في ميانمار والثانية في أرمينيا. ففي 1 فبراير/شباط 2021 أدانت تركيا بشدة الانقلاب العسكري واستيلاء الجيش على السلطة في ميانمار، حيث أصدرت وزارة الخارجية التركية بياناً عبرت فيه عن قلقها العميق من استيلاء القوات المسلحة الميانمارية على السلطة.

ودعا البيان التركي لإطلاق سراح جميع قادة ميانمار المنتخبين فوراً، كما دعا إلى اجتماع البرلمان وإزالة العوائق من أمام القادة المنتخبين والمؤسسات الديمقراطية. كما أعرب عن أمله ألَّا يؤثر هذا التطور الخطير على تفاقم وضع مسلمي الروهينغيا الذين يعيشون ظروفاً قاسية. وفي سياق متصل أدان رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة التركي فولكان بوزكير الانقلاب العسكري في ميانمار.

تعتبر حالة إدانة تركيا للمحاولة الانقلابية على رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان حالة نموذجية تدل على رفض تركيا للانقلابات حتى على الحكومات غير الصديقة. فمن المعروف أن تركيا دعمت أذربيجان مؤخراً في حربها مع أرمينيا في إقليم قره باغ، كما أن العلاقة ليست مرتبطة بالعلاقات الراهنة فحسب لأن العلاقات بين الأتراك والأرمن في حالة تنافر تاريخياً، ومع ذلك أدانت تركيا المحاولة الانقلابية، حيث أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موقف بلاده الرافض لكل أشكال الانقلابات، وذلك تعليقاً على المحاولة الانقلابية في أرمينيا حيث قال أردوغان: “نقف ضد جميع أشكال الانقلابات ولا يمكن أن نقبلها”.

وأكد أردوغان أنه لا يمكن القبول بتدخل العسكر في الحياة السياسية بأرمينيا. وأضاف: “باشينيان وصل إلى مرحلة إسقاطه من قبل الشعب، لكن يختلف الأمر بالنسبة إلينا عندما يكون انقلاباً”.

يمكننا القول إن رفض الانقلابات العسكرية على الحكومات المنتخبة ديمقراطياً قد أصبح مبدأ واضحاً في السياسة الخارجية التركية، ولعل الأبرز هنا أن تركيا لا تتردد في إدانة الانقلاب على العملية الديمقراطية حتى لو كانت ضد حكومة ليست صديقة لتركيا كما حصل مع أرمينيا مؤخراً.

وهذا يشير إلى الدافع المبدئي في هذه العملية، وهو الأمر الذي تتميز فيه تركيا عن مجموعة من الدول الغربية التي لا تعترف حتى بالانقلابات العسكرية إذا جاءت خادمة لمصالحها وأطماعها.

لقد انتقلت تركيا من حالة رافضة للانقلابات العسكرية محلياً بعد معاناة لعقود طويلة من تداعيات الانقلابات لا تزال آثارها إلى الآن، إلى سياسة خارجية رافضة للانقلابات، وفي بعض الأحيان مانعة ومحبطة للانقلابات كما حصل في ليبيا.

[TRT عربي]

تسميات