سياسة اليونان تجاه ليبيا

من غير الممكن تصور سياسة اليونان تجاه ليبيا بمعزل عن التنافس الذي تخوضه اليونان مع تركيا في شرق المتوسط.

من غير الممكن تصور سياسة اليونان تجاه ليبيا بمعزل عن التنافس الذي تخوضه مع تركيا في شرق المتوسط.  هناك سببان رئيسيان يقفان وراء تفضيل اليونان لجانب حفتر المتمرد في ليبيا:

السبب الأول هو أملها في الإطاحة باتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها الحكومة الشرعية في طرابلس مع تركيا في السابع والعشرين من نوفمبر 2020، بالتوازي مع استيلاء حفتر على طرابلس.

ترسيم تركيا لحدود رصيفها القاري وفقاً لمبدأ مسافة البعد المتساوي مع ليبيا على نحو يمتد حتى جنوب شرق جزيرة كريت، استناداً إلى الاتفاقية المذكورة، لا يلقى القبول من قبل الجانب اليوناني، الذي يدعي الحق في مجال بحري يمتد خارج المياه الإقليمية لجزره.

تعطي الاتفاقية التي وقعتها أنقرة مع طرابلس، وأبلغت الأمم المتحدة بها، الحق لتركيا في إعلان حدودها على نحو لا يقطع الرصيف القاري للجزر اليونانية، وهو الأمر الذي يزعج اليونان على نحو بالغ. إلا أن مبدأ عدم القطع (non-cut off) المعترف به في القانون الدولي يظهر بغي اليونان، مصوباً أطروحة عدم اعتراض تركيا لرصيفها القاري.

أما السبب الثاني لتفضيل اليونان لطرف حفتر؛ فهو سبب غاية في البراغماتية، ولكنه يستند إلى حسابات خاطئة. فقد كان اعتقاد أثينا بحتمية انتصار حفتر المدعوم من قبل فرنسا وروسيا والإمارات ومصر والسعودية والعديد من الدول الأخرى، في الحرب الأهلية الليبية، على حكومة الوفاق الوطني المدعومة تركياً وقطرياً، هو خطأ فادح ارتكبته أثينا.

لقد كانت أثينا تأمل عقد اتفاقية تحديد الرصيف القاري بالشروط التي تحلو لها مع حفتر بعد أن يستولي على طرابلس، وأن تدحض ادعاءات حقوق تركيا.

ولكن يُلاحظ أنّ الأمور في ليبيا لا تجري كما تشتهي أثينا.

إن عدم توجيه الدعوة إلى اليونان، التي تلقت ضربة موجعة باتفاقية ليبيا وتركيا في السابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، لحضور القمة التي عُقدت في برلين في التاسع عشر من يناير/كانون الثاني، قد فتح الطريق أمام غضب وخيبة أمل كبيرة في أثينا.

فوق ذلك؛ لم تكن زيارة الجنرال حفتر إلى أثينا قبل يومين من انعقاد القمة، ولقاؤه رئيس الوزراء ميتسوتاكيس ووزير الخارجية ديندياس كافية لأنْ تأخذ ميركل مستشارة ألمانيا -المنظمة للقمة- اليونان بعين الاعتبار، وتستخلص أنها لاعب جدير بأن تُوجه له الدعوة لحضور القمة.

يمكن القول إن ميركل لم تدع ميتسوتاكيس إلى القمة لأنها خشيت إذا ما شارك رئيس الوزراء اليوناني في القمة، أن يُحيل الاتفاقية بين تركيا وليبيا إلى جدول أعمال رئيسي للقمة، ويعرّض نجاحها للخطر.

ويبدو أن لا جدوى من التهديدات التي ألقاها ميتسوتاكيس تحت وطأة خيبة الأمل التي تعرض لها على إثر عدم دعوته إلى القمة، بمقاطعة كل قرارات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالشأن الليبي، في حال لم توضع مطالب أثينا موضع الاهتمام. وذلك لأن اتفاقية تركيا وليبيا تحافظ على صلاحيتها، واحتمال أن يتجه الاتحاد الأوروبي لسياسة مشتركة على خط قريب من أطروحات اليونان، يبدو بعيداً أكثر من أي وقت مضى.

يمن المُلاحظ أيضاً أنّ اليونان قد فشلت في سياساتها الخاطئة تلك:

-فهي من ناحية؛ تبحث عن تحالفات معادية لتركيا مع بلدان المنطقة كمصر وإسرائيل، بدلاً من العمل على التوافق مع أنقرة عبر التخلي عن سلوكها الجامح الطامع، بخصوص المشاكل التي تعيشها مع تركيا في شرق المتوسط.

-ومن ناحية أخرى؛ تسعى لدفع أنقرة خطوة إلى الخلف بدعم من الاتحاد الأوروبي.

يتبقى خياران أمام أثينا التي فشلت في عملية موازنة تركيا بدعم من تلك القوى الفاعلة. إما الاتجاه للتوافق مع تركيا، وإما الانخراط في البحث عن تفاهمات جديدة مع قوى كالولايات المتحدة الأمريكية أو روسيا، وإيجاد داعمين جدد في مواجهة أنقرة.

على اليونان أن تتعلم الدرس مما عاشته داخل الاتحاد الأوروبي في المسألة الليبية، من أن الداعمين الخارجيين لا يفكرون سوى في مصالحهم الخاصة، ويخذلون حلفاءهم الصغار دون تردد إذا لزم الأمر، ويجب عليها ألا تدخل في مغامرات جديدة.

التوافق مع تركيا هو الخيار الأنسب بالنسبة لأثينا.

[تركيا 27 يونيو 2020]

تسميات