زيارة بوتين لتركيا في ظل الأزمة الأوكرانية

بالنظر إلى إدارة الأزمة، للوهلة الأولى، يبدو أن اليد العليا للرئيس الروسي، ومع ذلك كان من المستحيل على الولايات المتحدة وأوروبا تلبية مطالب موسكو المتطرفة. في حقيقة الأمر، تدرك إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الأزمة الحالية تمثل اختبارًا حقيقيًا للتفوق والقيادة العالمية للولايات المتحدة.

لم تقدم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أي تنازلات فيما يخص الأزمة الأوكرانية؛ إذ أبقت واشنطن على سياسة الباب المفتوح التي يتبعها الناتو لرفض طلب روسيا منع جارتها الأوكرانية من الانضمام إلى الحلف.  وما زالت ماهية “الحل الدبلوماسي” الذي قدمه الأمريكيون لموسكو في ردهم غير المعلن والكيفية التي ستستجيب بها روسيا على هذا الرد غاضمة إلى حد كبير. وقد صرح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأن رد الولايات المتحدة لم يأخذ في الاعتبار المخاوف الأمنية الأساسية لروسيا، مشيرًا إلى أن الحوار سيستمر. ليس لدى الكرملين مشكلة في عقد مقارنات بين الوضع الحالي وتوترات الحرب الباردة بين روسيا والغرب.

مرة أخرى، الكرة في ملعب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والسؤال هل سيتجه إلى خفض التصعيد كما فعل في ربيع عام 2021؟ أم سينقل التوترات إلى المستوى التالي بمساعدة انفصاليي دونباس؟ أم أن روسيا ستدعم تهديدها السابق بإرسال قوات إلى كوبا وفنزويلا بتحرك فعلي واختيار توترات كبيرة وطويلة الأمد شبيهة بفترة الحرب الباردة؟

وسط اتصالات بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وروسيا، أعلن بيسكوف أن بوتين قبل دعوة الرئيس رجب طيب أردوغان وأنه سيقوم بزيارة إلى تركيا يتوقف موعدها على أوضاع الجائحة وجدول أعماله. لا شك أن زيارة الرئيس الروسي المرتقبة ستشمل مناقشات حول العديد من القضايا الثنائية والإقليمية المختلفة، من الطاقة والدفاع إلى الوضع في سوريا. وفي سياق متصل، من المقرر أن يزور الرئيس أردوغان أوكرانيا الأسبوع المقبل في إطار خطته لتسهيل لقاء بين الرئيسين الروسي والأوكراني، وهو ما يدعو إلى التساؤل عما إذا كان لدى تركيا نية للتدخل في الازمة.

في عيون بوتين

ليس سراً أن بوتين يرى أزمة أوكرانيا كجزء من صفقة كبرى مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. فبوتين إذا اعتبر أنه من الأفضل والأجدى الإبقاء على التوترات الحالية قائمةً، فمن المحتمل أن يفضل مناقشة القضية الأوكرانية مع أردوغان خلف الأبواب المغلقة، ويمكن أن يوافق على لقاء نظيره الأوكراني زيلينسكي في تركيا ويتوقف ذلك على التقدم المحرز في المحادثات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة أيضًا.

بالنظر إلى إدارة الأزمة، للوهلة الأولى، يبدو أن اليد العليا للرئيس الروسي، ومع ذلك كان من المستحيل على الولايات المتحدة وأوروبا تلبية مطالب موسكو المتطرفة. في حقيقة الأمر، تدرك إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الأزمة الحالية تمثل اختبارًا حقيقيًا للتفوق والقيادة العالمية للولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن ألمانيا تبنت موقفًا أكثر اعتدالًا بسبب اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي إلا أن التحالف الغربي لا يحبذ التهدئة، ويهدد موسكو بفرض عقوبات اقتصادية شديدة وفي الوقت نفسه ويسلمون في الوقت ذاته الأسلحة إلى أوكرانيا. وبمرور الوقت، يصبح الناتو أكثر تماسكًا داخليًا أيضًا. كما أن أوكرانيا تصر على مقاومة الاحتلال. علاوة على ذلك أضحت دول البلطيق ودول أوروبا الشرقية أكثر حذرًا من “التهديد الروسي”.

موقف أردوغان

تدعم روسيا بالفعل انفصاليي دونباس وتحتاج إلى حساب ماهر لما يمكنها إنجازه من خلال تنفيذ “عمليات توغل صغيرة” بأي ثمن. وهذا ما قاله أردوغان لنظيره الروسي أيضًا: “آمل ألا تختار روسيا شن هجوم مسلح على أوكرانيا والاحتلال. إذ لن تكون هذه الخطوة حكيمة بالنسبة لروسيا أو للمنطقة. ويبدو أن هناك حاجة إلى حوار هادف وسماع روسيا ومعالجة مخاوفها الأمنية المشروعة، إن وجدت. يجب علينا أيضًا أن نشرح لروسيا سبب عدم قبول بعض مطالبها. أعتقد أن مثل هذا الحوار سيسمح لروسيا بفهم الناتو بشكل أفضل”.

وتهدف دبلوماسية أردوغان المعتمدة على التحاور مع الزعماء إلى معالجة المخاوف الأمنية الروسية وإظهار عدم قبول مطالبها. وفي هذا السياق أوضح الرئيس التركي موقف بلاده فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا في مقابلة تلفزيونية قائلًا

“ستواصل تركيا الوفاء بمسؤولياتها كعضو في الناتو في المستقبل، كما فعلت في الماضي”.

يبدو أن بعض الناس يعتقدون أن احتفاظ تركيا بعلاقات ودية مع كل من روسيا وأوكرانيا يمكن أن يخلق “خطرًا جسيمًا” في الأزمة. في رأيي، يمكن أن يضيف المسار المستقبلي للأزمة الأوكرانية إلى أهمية الجهود الدبلوماسية التركية في القريب العاجل، ويجب تقييم رحلة أردوغان المقبلة إلى أوكرانيا، إلى جانب زيارة بوتين إلى تركيا في هذا الإطار.

تسميات