خمسة أسئلة: دلالة إنشاء الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة عسكرية في ألكساندروبوليس باليونان وتأثيرها على تركيا

ما نوعية القاعدة العسكرية التي أنشأتها الولايات المتحدة الأمريكية في ألكساندروبوليس (باليونان)؟ وما التطورات التي سبقت إنشاء قاعدة ألكساندروبوليس؟ وما الخلفية السياسية لإقامة القاعدة؟ ما هو الوضع القانوني لإقامة القاعدة؟ وما هي انعكاسات أنشطة الولايات المتحدة الأمريكية واليونان في ألكساندروبوليس على تركيا؟...

1- ما نوعية القاعدة العسكرية التي أنشأتها الولايات المتحدة الأمريكية في ألكساندروبوليس (باليونان)؟

من المعلوم أن لدى الولايات المتحدة ما يزيد عن 800 قاعدة عسكرية خارج حدودها، تنتشر في أماكن عدة من العالم. لهذه القواعد وظائف هامة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً في حماية الحلفاء، وردع الخصوم، من خلال التدخل السريع والفعّال في الأحداث في أماكن مختلفة من العالم، عبر تكنولوجيات عسكرية متطورة. من المعلوم كذلك أنّ هذه القواعد العسكرية نفسها تخلق مشاكل أحيانا مع الحلفاء، بل وحتى تؤدي أحياناً وظيفة “تهديد” الحلفاء.

في الأسبوع الماضي جرى الإعلان عن إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية جديدة في ألكساندروبوليس، التي تبعد حوالي 40 كم عن الحدود اليونانية مع تركيا. وبالرغم من عدم توافر تصريحات واضحة إلى الآن بشأن تفاصيل القاعدة التي أُنشأت، إلا أنّه من الواضح أنّ بعض العناصر العسكرية الأمريكية والمروحيات البحرية العسكرية على وجه الخصوص قد تمركزت هناك. علاوة على ذلك؛ تبدي الولايات المتحدة الأمريكية اهتماما بميناء ألكساندروبوليس، وخصوصاً منشآته العسكرية، من أجل استخدام المروحيات العسكرية البحرية، ولهذا السبب يُلاحظ أنها تقوم بأعمال لرفع كفاءة الميناء.

2-ما التطورات التي سبقت إنشاء قاعدة ألكساندروبوليس؟

في الخامس من أكتوبر 2019 وقعت اليونان مع الولايات المتحدة الأمريكية على بروتوكول مُلحق بمعاهدة الدفاع والتعاون المتبادل المُوقعة في عام 1990. كان هذا البروتوكول يهدف إلى تحديث وتطوير المعاهدة المذكورة، وينص على أحكام جديدة في هذا السياق. يتضمن البروتوكول أحكام مهمة بالنسبة لموضوعنا. من بين تلك الأحكام تبرز تلك المتعلقة بتحديث قاعدة سوده (souda) الواقعة في جزيرة كريت اليونانية، وتجديد مطار لاريسّا الجوي، وتقوية قاعدة ستيفانوفيكيو الجوية الواقعة بين لاريسّا وفولوس من ناحية الاستحكامات العسكرية. أما عن الشأن المهم بالنسبة لألكساندروبوليس؛ فقد نُص على توسعة ميناء ألكساندروبوليس وتحديثه كذلك. وبالتالي فإن استخدام الولايات المتحدة إمكانات موانئ ألكساندروبوليس ومنشآته العسكرية هو قضية جرت التباحث بشأنها منذ فترة

3-ما الخلفية السياسية لإقامة القاعدة؟

يُلاحظ أن عدة مسائل تبرز في الخلفية السياسية لإقامة الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في ألكساندروبوليس:

فأولاً؛ تتطلب سياسة التنافس الدولي مع روسيا مثل هذا الأمر. ففي عالمنا اليوم بعض من مراكز القوة في حالة تنافس مع الولايات المتحدة الأمريكية، في قضايا متنوعة تمتد من الاقتصاد إلى الموضوعات العسكرية، ومن المسائل التكنولوجية حتى التحالفات السياسية. ومن المعلوم أن روسيا تمثل أحد تلك المراكز. والولايات المتحدة الأمريكية -بالأخص عقب 2018- تهدف إلى أن تصبح أكثر نفوذاً عسكرياً في البحر الأبيض المتوسط، وأن تتمكن من المراقبة الفعالة للأحداث في المنطقة. وتسعى الولايات المتحدة في هذا السياق إلى تركيز تواجدها في شرق المتوسط وإيجة على وجه الخصوص.

ثانياً؛ تحتاج اليونان إلى التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية، على إثر فشلها في الحصول على ما تريده في تنافسها مع تركيا من الاتحاد الأوروبي. فقد فتح فشل الاتحاد الأوروبي في الوصول إلى النقطة التي يريدها في التأثير على العمليات السياسية الإقليمية والعالمية، وفشل اليونان في صناعة الفعالية التي تريدها في شرق المتوسط -ضد تركيا بالأخص- عبر الاتحاد الأوروبي الطريق أمام انخراط اليونان في البحث عن بديل من نوع ما. ويمكن القول إن العلاقات المتوترة من حين إلى آخر بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية تخلق بعض الفرص بالنسبة لليونان.

ثالثاً؛ هناك أنشطة تركية في منطقة شرق المتوسط تسببت في احتجاجات من الولايات المتحدة الأمريكية. إذ أنّ اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، وإعاقة تركيا أنشطة بحث عن موارد طبيعية تشارك فيها شركات أمريكية المنشأ حول جزيرة قبرص، وأنشطة البحث عن موارد طبيعية التي تديرها تركيا تخلق توترات بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية

4-ما هو الوضع القانوني لإقامة القاعدة؟

إن احتفاظ دولة ما بجنود أو قوة مسلحة، بصورة مؤقتة، أو مستمرة، في أراضي دولة أخرى، بموافقة واضحة من تلك الدولة، أو إقامة قاعدة عسكرية، مؤقتة كانت أو مستمرة، ليس بالعمل الممنوع وفقاً للقانون الدولي. حتى أن الاتفاقية المؤسسة لحلف الناتو الذي أُسس لغرضٍ دفاعي تشجع هذا النوع من التعاون بين الدول الأعضاء، وتخلق الأرضية له. إلا أنّ نزع سلاح بعض المناطق عبر تعديلات أكثر خصوصية قد يشكل استثناءات لهذه القاعدة العامة.

كان مقترح إخلاء منطقة ألكساندروبوليس من القوات، بغرض تدعيم أمن تركيا وجعلها منزوعة السلاح، قد نُوقش بشكل مكثف أثناء مباحثات معاهدة لوزان. تُظهر تلك المباحثات أن تركيا تعتبر منطقة ألكساندروبوليس منطقة حساسة في سياق الأمن القومي.

تظهر تلك الحساسية في التعديلات المتعلقة بجزر شرق بحر إيجة، والتي أُجريت في أعوام 1913 و1914، وكذلك في الحكم الخاص بالإبقاء على تلك الجزر منزوعة السلاح. وقد أُكدت تلك الأحكام من خلال المادة الثانية عشر من معاهدة لوزان.

وتأتي المادة الثالثة عشر من معاهدة لوزان بحكم حول نزع السلاح كالتالي: “لن تقوم حكومة اليونان بإقامة أي قاعدة بحرية، أو تشييد أية استحكامات حربية في جزر ميديللي وساكيز وساموس وإيكاريا، وذلك بغرض ضمان حفظ السلم. سيُمنع تحليق الطائرات الحربية اليونانية، والمركبات الجوية الأخرى فوق الأراضي الواقعة على شاطئ الأناضول. وستُستدعَى القوات المسلحة اليونانية في الجزر المذكورة وتُستبدل بوحدات عسكرية عادية يمكن تدريبها في مكانها، على أن تكون أعدادها متناسبة مع أعداد الشرطة وقوات الدرك الموجودة في كافة الأراضي اليونانية، أي أن القوات الموجودة في الجزر ستقتصر على قوات للدرك وتنظيم للشرطة”.

ختاماً؛ تُركت الجزر جنوب شرق بحر إيجة المعروفة بالجزر الإثنيْ عشر لإيطاليا وفقا للمادة الخامسة عشر من معاهدة لوزان، وينبغي أن يُفترض أن هذه الجزر سيُبقى عليها منزوعة السلاح كما وُضح في تعديلات 1913 و1914.

كما هو واضح؛ عند تذكر الأحكام الواردة في معاهدة لوزان الخاصة بالمضائق والمتعلقة بنزع سلاح جزر شمال إيجة نجد أنه من الواضح أن المنطقة ككل تُعّد منطقة حساسة من الناحية القانونية في سياق تمركز قوات مسلحة جديدة

5-ما هي انعكاسات أنشطة الولايات المتحدة الأمريكية واليونان في ألكساندروبوليس على تركيا؟

اتجهت التصريحات الصادرة عن تركيا عقب البروتوكول المُوقع بين الولايات المتحدة الأمريكية واليونان في 2019 إلى التأكيد على عدم انزعاج تركيا من التعاون العسكري بين الدولتين العضوتين في الناتو. ولكن مع إقامة الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة عسكرية في ألكساندروبوليس، يُحتمل أن تنزعج تركيا من جراء سلوكيات الولايات المتحدة الأمريكية، وليس بسبب القاعدة نفسها.

إنّ لمضي الولايات المتحدة الأمريكية في تطوير علاقاتها، وخاصة تعاونها العسكري مع اليونان، بالرغم من التوترات التي تعيشها تركيا مع اليونان في إيجة وشرق المتوسط، طابع يمكن أن يُفهم على أنه تحرك ضد تركيا بقدر ما هو ضد أمور كثيرة أخرى. ونتيجة للأنشطة التركية في شرق المتوسط، والعلاقات مع إسرائيل، وبعض قرارات تركيا الوطنية التي مثّلت موضوع اعتراضات الولايات المتحدة الأمريكية؛ فإن حصول اليونان على الدعم السياسي -على الأقل- من الولايات المتحدة الأمريكية قد يكون أمر مزعج بالنسبة لتركيا.

تسميات