تحويل وباء الكورونا لقضية إعلامية والأطوار المَرَضِية

إن المحتويات المتلاعبة التي تصنع بغرض التضليل الإعلامي تعرض على جمهور المتابعين حاملة منطقا إعلاميا من هذا النوع وتدع الجماهير بدون موجه يميز لها الصواب من الخطأ. في الآونة الأخيرة جسدت الأخبار التي ينشرها الإعلام الغربي وأذرعه في تركيا بهدف إضعاف تأثير بلدنا في مكافحة الفيروس أوضح أشكال التلاعب الإعلامي.

تحول فيروس كورونا (كوفيد-19) -الذي ظهر في مدينة ووهان وانتشر فيما بعد في مناطق مختلفة من العالم وانتقلت بؤرة تفشيه إلى أوروبا- إلى “وباء عالمي”. ومن دون شك؛ فإن كوفيد-19 الذي زاد تأثيره بسبب اتساع رقعة انتشاره اتضحت مدى خطورته عندما تسرب إلى أوروبا. انتقلت الأحداث لمرحلة مختلفة تماماً جراء المناهج التي اتبعتها الدول التي تعاني من الأزمة بشدة مثل إيطاليا وفرنسا وخصوصا إنجلترا وهولندا. ففيما تبحث بعض الدول عن علاج للمرض في أروقة المعامل والعيادات اختارت بعض الدول التحرك وفقاَ لمنهجية “مناعة القطيع” وإن جاز التعبير فقد فضلت آلية الإنتخاب الطبيعي (الداروينية الإجتماعية) تاركة كبار السن والعجزة للموت.

أما عن تركيا؛ فمنذ اليوم الأول الذي رُصدت فيه أول حالة وإلى الآن قامت بوضع حظر للطيران إلى الدول التي ظهر الفيروس فيها بكثافة وعطلت المدارس وانتقلت إلى نظام التعليم عن بعد وأغلقت أماكن التجمع مؤقتاً وسعت للسيطرة على الأوضاع عبر خفض حالة التعبئة العامة إلى أقل المستويات. وما كل تلك التدابير المأخوذة من إلغاء كل البرامج الجماعية بدء من مجال الفن والثقافة ومروراً بأماكن العبادة إلا خطوات ملموسة تُظهر إلى أي مدى تتخذ الدولة التدابير في هذا المسار. كذلك فحزمة المكافحة التي أعلنها الرئيس أردوغان يوم الأربعاء من ناحية تقدم سلسلة من التدابير التي تهدف إلى تسهيل الحياة اليومية وتراعي الأجندة الاقتصادية ومن ناحية أخرى تقدم سياسة لا ترخي من التدابير وحالة التأهب. عند النظر لهذه العملية من وجهة نظر مقارنة نرى أن تركيا تسعى لتطوير آلية وقائية مقارنة بالعديد من الدول الأخرى التي رُصدت فيها حالات إصابة بالفيروس. لكن بالرغم من كل ذلك يتشكل وجود هذا المسار في الإعلام العالمي بأوهام مبتذلة بدلا من المؤشرات الملموسة ويتواصل موقف الصحافة الغربية المَرضي تجاه تركيا بأدائه المعتاد.

 

منطق صناعة الضجة الإعلامية

إن الممارسات اليومية التي تمر من وسط تكنولوجيا الإتصالات التي تتزايد وتكتسب تنوعا يوما بعد يوم تحمل آثاراً إعلامية بشكل مكثف. عند النظر في صناعة الضجة الإعلامية التي تعرف على أنها “ظاهرة تنفيذ كل شئ من خلال الإعلام بشكل متزايد” إلى جانب التحول الرقمي الموجود في يومنا هذا تظهر أمامنا “وساطة كل شئ” كظاهرة إجتماعية طاغية. بيد أن التحول الرقمي نقل عملية صناعة الضجة الإعلامية إلى مرحلة مختلفة وساعد على حدوث تحولات أكثر راديكالية في عملية صناعة الواقع الإجتماعي.

إن وسائل الإنترنت التي تتطور في عالمنا اليوم والتي تعتبر المرحلة النهائية للتفاعل مع ثقافة رقمنة عالمنا الإجتماعي تعني التأثير على كل مجالات حياتنا. بهذا المعنى فإن الواقع الاجتماعي الذي ينعكس علينا بواسطة الإعلام يفتح الطريق أمام تغييرات هامة من حيث الكم والكيف على السواء.

إن المحتويات المتلاعبة التي يتم إنتاجها بغرض التضليل الإعلامي تُقدم للجماهير بمنطق إعلامي من هذا النوع وتترك الجماهير محرومة من أي وسط يميز لها بين الصواب والخطأ. في الآونة الأخيرة أظهرت الأخبار التي ينشرها الإعلام الغربي وأذرعه في تركيا بهدف إضعاف تأثير بلدنا في مكافحة الفيروس أوضح أشكال التلاعب الإعلامي، فقيام وسائل إعلام مثل البي بي سي والسي إن إن ونيويورك تايمز بنشر أخبار حول إجراءات تقييد السفر والتدابير التي تم إتخاذها في أوروبا مع صور من تركيا لا يترك أي مجال لأي توضيح أكاديمي. كذا فإن عقد مقارنات حول عدد وحدات العناية المركزة والمعدات الصحية وعدد الأسرَّة في تركيا وإعطاء معلومات خاطئة في أخبار شبيهة وبنفس الشكل يعكس منظوراً بعيدً كل البعد عن المهنية الصحفية. الإعلام الغربي المستمر في منهجه المتناقض والمعادي لتركيا -والذي بدأ مع أزمة دافوس 2009 ووصل للذروة أثناء أحداث غيزي بارك- لم يعد من الممكن تفسيره كتناقض أو معارضة في هذه الفترة. ويستمر العداء لتركيا والذي يصل إلى حد الهيستيريا بواسطة حسابات على وسائل التواصل الإجتماعي للتلاعب بالأخبار ومحاولة استنزاف الجماهير نفسياً. بهذا المعني فإن أجهزة الدولة الي تتبع سياسة حازمة سواء في المجال الصحي أو في رصد هذه المضامين المضللة تخوض إختباراً هاماً.

إن عمل مؤسسات “الدولة” بشكل متزامن كهذا في أوقات الأزمات يظهر قدرة تركيا المؤسساتية كما يظهر لنا وللأشخاص الذين يسعون يائسين لاستنزاف هذه القدرة مدى الحاجة إلى الدولة في الأوقات الاستثنائية.

[صباح،21 مارس 2020]

تسميات