ANKARA, TURKIYE - JUNE 22: Turkish President Recep Tayyip Erdogan welcomes Crown Prince of Saudi Arabia Mohammed bin Salman Al Saud with an official ceremony at the Presidential Complex in Ankara, Turkiye on June 22, 2022. ( Murat Kula - Anadolu Agency )

تأثير زيارة بن سلمان على العلاقات التركية السعودية

يمكن القول إن المسار العام للعلاقات السعودية التركية قد تغير بشكل إيجابي. فقد انخفض مستوى التوتر في العلاقات الثنائية من خلال الزيارات المتبادلة وانطلقت عملية الشراكة الثنائية مجددا بفضل الخطوات المتبادلة. وستتعزز هذه الشراكة وتأخذ طابعا مؤسسيا عبر الخطوات التي سيتم اتخاذها في المرحلة المقبلة.

كانت العلاقات بين تركيا والمملكة العربية السعودية فاترة خلال الحقبة العثمانية وعلى مدار القرن العشرين، وتمثل زيارة الراحل الملك عبد الله لتركيا عام 2005 منعطفًا تاريخيًا في هذا السياق. تطورت العلاقات الثنائية على العديد من الأصعدة على نحو سريع، ولكن انضمام كلا البلدين لمعسكرات مختلفة بعد الثورات العربية التي اشتعلت في نهايات عام 2010 أدى بطبيعة الحال إلى توتر العلاقات بين البلدين واكتسابها صبغة تصادمية. ففي الوقت الذي كانت تقدم تركيا فيه الدعم لقوى التغيير في الشرق الأوسط، وقفت المملكة العربية السعودية إلى جانب القوى الفاعلة المؤيدة للحفاظ على الوضع القائم. وقد وصلت العلاقات إلى حالة من القطيعة خاصة بعد تغيير النظام الذي وقع في مصر عام 2013. وبعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في الثاني من أكتوبر 2018 في قنصلية بلاده في إسطنبول اتسمت العلاقات الثنائية بالصدام المباشر. في هذه الفترة دعمت القوى الغربية تحالف الدول الداعمة للوضع القائم في الشرق الأوسط وعلى رأسها السعودية والإمارات، وهو ما أدى إلى وقوف تركيا وحيدة في المنطقة. وقد وقفت تركيا وحدها إلى جانب قطر التي حاولت الدول الخليجية الأخرى اقصاءها وحصارها.

ومع دخول المنطقة مرحلة التطبيع مع بدايات عام 2021 شهدت العلاقات بين أنقرة والرياض محاولة للتطبيع، وفي أعقاب المباحثات التي عقدت على مستويات مختلفة قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة إلى السعودية في 28-29 أبريل الماضي. وقد أظهرت زيارة الرئيس وهي الأولى منذ عام 2017 أن العلاقات الثنائية قد دخلت مرحلة التطبيع بخطوات ملموسة. أما عن زيارة محمد بن سلمان لأنقرة في الثاني والعشرين من يونيو الجاري، فقد قدمت فرصة لوضع العلاقات على مستوى مؤسسي من جديد.

ويمكن تقييم زيارة بن سلمان في ثلاث سياقات مختلفة؛ الأول هو سياق العلاقات الثنائية، وفي ذلك ستضمن الزيارة تحقيق بعض من تطلعات البلدين. فأولا؛ تحققت زيارة بن سلمان في مرحلة كان كلا البلدين في أمس الحاجة إلى بعضهما. فمن المحتمل بقوة أن تتحقق تطلعات كل من تركيا والسعودية لتطوير العلاقات الاقتصادية، فلدى البلدين اقتصادين يمكنهما أن يكملا بعضهما البعض.
وهناك بعض الأمور التي تضفي أهمية على الزيارة بالنسبة للجانب السعودي:

  • كانت هذه الزيارة بمثابة تحرك هام من بن سلمان لحل مشكلة شرعيته سواء في الداخل السعودي أو المنطقة. فالمملكة العربية السعودية والمنطقة بأسرها تمر بتحول خطير. يعتبر محمد بن سلمان لاعبا جديدا على الساحة ولتصحيح صورته التي تضررت بشكل كبير عقب اغتيال خاشقجي كان لا بد من تطبيع العلاقات مع تركيا التي ارتكبت فيها الجريمة.
  • عودة الشعب التركي لأداء العمرة من جديد، وتحصل السعودية على دخل كبير من زيارات العمرة. وبالنظر إلى أن تركيا من أكثر الدول التي يأتي منها المعتمرون إلى السعودية، فمن المتوقع أن تقوم الرياض بتطبيع علاقاتها مع أنقرة.
  • ترغب السعودية في الاستفادة من الشركات التركية التي لديها خبرات عالمية واسعة في اكمال مشروعات الانشاءات والبنية التحتية الكبرى مثل مشروع نيوم.
  • تظهر المملكة العربية السعودية اهتماما بالصناعات الدفاعية التركية بسبب شعورها بعدم الثقة تجاه اللاعبين الدوليين. وقد حفزت النجاحات التي حققتها الأسلحة التركية وخصوصا الطائرات المسيرة السعودية على اقتناء هذه الأسلحة.

مخرجات زيارة بن سلمان الهامة بالنسبة للجانب التركي:

  • ترغب تركيا التي تحتاج إلى دخول رؤوس المال الأجنبية في جذب رؤوس الأموال من السعودية التي تحقق فائض ميزانية يقدر بمليارات الدولارات. وتهدف إلى القضاء على الهشاشة الاقتصادية الموجودة في البلاد.
  • ترغب تركيا في إعادة فتح السوق السعودي أمام البضائع التركية والمستثمرين الأتراك. ففي الفترة التي شهدت تراجعا في العلاقات بين البلدين جرى تطبيق مقاطعة شبه رسمية على البضائع ورجال الأعمال الأتراك. ومع انتهاء هذه المقاطعة الفعلية ستصبح الشركات التركية لاعبا من جديد في السوق السعودية.
  • تنتظر تركيا التي تعتبر من أهم الوجهات السياحية في العالم قدوم السياح من المملكة العربية السعودية.

إن أهمية زيارة بن سلمان في السياق الإقليمي كبيرة، فأولا؛ عقب التطبيع الذي بدأ بقطر في الخليج زال أحد أسباب التوتر التركي السعودي. كما كان هناك تطبيع جزئي لعلاقات كلا البلدين مع إسرائيل. ثانيا؛ أصبح كلا البلدين في وضع يسمح لهم باتخاذ مواقف مشابهة في الأزمات الإقليمية مثل سوريا واليمن وليبيا. ثالثا؛ يحتاج كلا البلدين إلى اتخاذ موقف مشترك ضد التوسع الإيراني في الإقليم. ويمكن أن تعمل السعودية مع تركيا في عدد من دول المنطقة كسوريا واليمن ولبنان والعراق لكسر النفوذ الإيراني في هذه الدول. رابعا؛ التعاون بين البلدين في ضمان الاستقرار الإقليمي مهم للغاية، فإقصاء أحدهما للأخر ستكون كلفته عالية للغاية.

للزيارة أهمية كبيرة أيضا في السياق العالمي، حيث ترغب تركيا والمملكة العربية السعودية في تقليل اعتمادهم على القوى العالمية واتباع سياسة خارجية أكثر استقلالًا. لذا عليهما التعاون فيما بينهما أولا. فبعد وصول الرئيس الأمريكي بايدن للسلطة واظهاره رغبة في اقصاء البلدين والتقارب مع إيران أدى إلى تقريب السعودية من تركيا. علاوة على ذلك، في حالة عدم تحقق الاستقرار في الإقليم تتزايد احتمالية قيام إحدى القوى العالمية بالتدخل فيه ولهذا السبب أطلقت تركيا والسعودية مسارا تطبيعيا بهدف تطوير التعاون المشترك وإيجاد حلول للمشكلات الإقليمية ومنع تدخلات القوى العالمية في المنطقة.

أخيرا، يمكن القول إن المسار العام للعلاقات السعودية التركية قد تغير بشكل إيجابي. فقد انخفض مستوى التوتر في العلاقات الثنائية من خلال الزيارات المتبادلة وانطلقت عملية الشراكة الثنائية مجددا بفضل الخطوات المتبادلة. وستتعزز هذه الشراكة وتأخذ طابعا مؤسسيا عبر الخطوات التي سيتم اتخاذها في المرحلة المقبلة.

 

تسميات