بيان الضباط المتقاعدين بين الجيوسياسي الدولي والتنافسي المحلي

نظرا لجدية الأمر أجرى أردوغان اجتماعا تقييميا عاجلا وأعطى أردوغان الرسالة بسرعة للرأي العام المحلي والدولي "تركيا ليس لديها نية في الوقت الراهن للخروج من اتفاقية مونترو الخاصة بحركة السفن عبر المضائق البحرية".

أثار بيان 104 من الضباط المتقاعدين الأتراك من قطاع البحرية العسكرية التركي الجدل حول اتفاقية مونترو، حيث حذر هؤلاء من أن تكون خطط إنشاء قناة إسطنبول الجديدة التي تربط البحر الأسود ببحر مرمرة مرتبطة بالتحلل من اتفاقية مونترو للمضائق البحرية لعام 1936 والتي إن خرجت منها تركيا فإنها ستعمل وفق وجهة نظرهم على التقليل من سيادة تركيا على الحركة الدولية في المضائق خاصة للدول التي لا تمتلك شواطئ على البحر الأسود، وستعمل على تسهيل وصول الولايات المتحدة إلى البحر الأسود والتي تضغط منذ فترة طويلة على تركيا لتغيير شروط اتفاقية مونترو مما سيسبب مشكلات مع روسيا وبالتالي حالة من عدم الاستقرار قد تهدد الأمن القومي التركي.

تحمل القناة الجديدة فرصة لتركيا لتغيير شروط وبنود اتفاقية مونترو خاصة أن الفوائد الاقتصادية التي تجنيها تركيا من السفن الأجنبية التي تمر من مضيق البوسفور ليست كبيرة فضلا عن التهديدات البيئية التي تحملها الحركة الكثيفة في الممر البحري الضيق. كما أن الفرص الاستثمارية والتخطيط الجديد للمدينة حول القناة الجديدة يمكن أن يكون منسجما مع خطط اقتصادية كبيرة ويكون أكثر تدبيرا وأمنا فيما يتعلق بزلزال كبير محتمل في إسطنبول وفقا لعلماء الجيولوجيا.

ومع ذلك فلم يكن هذا موضع تركيز النقاش حيث أخذ النقاش حول قناة إسطنبول واتفاقية مونترو بعدا آخر  تعدى كونه مجرد تنافس بين رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو والحكومة الرئاسية التركية وتجاوز البعد المحلي الذي يركز على التحالفات الانتخابية في الوقت الحالي إلى البعد الأمني على مستوى وإلى البعد الدولي على مستوى أوسع، وقد أدى قدوم الاعتراض عبر بيان من عسكريين سابقين وبشكل جماعي إلى استحضار الحكومة والرأي العام التركي للمذكرات الانقلابية السابقة في تاريخ تركيا. وقد بدأت بالفعل إجراءات قضائية ضد الجهات التي وقفت خلف بيان الضباط ما زالت مستمرة حتى الآن بالرغم من إطلاق سراح الضباط العشرة الذين تم إيقافهم للتحقيق.

أما على المستوى الدولي فقد تعزز ذلك أيضا بقدوم أجندة الانسحاب من مونترو بعد انسحاب تركيا فعلا من اتفاقية إسطنبول لمواجهة العنف ضد النساء والتي لاقت انتقادات دولية وخاصة من دول الاتحاد الأوروبي ومن الولايات المتحدة. ومن المعلوم أيضا أن اتفاقية مونترو أكثر أهمية بكثير في بعدها الجيوسياسي من اتفاقية إسطنبول لارتباطها بالمنافسة بين روسيا والولايات المتحدة ولآثارها على مكانة تركيا ودورها كقوة إقليمية وقوة بحرية في منطقة الشرق الأوسط.

من جانب آخر تصاعد الحديث تزامنا مع أزمة دقة طبول الحرب بين روسيا وأوكرانيا وعلى إثر هذا النقاش أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالا بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان شدد فيه على أهمية حماية اتفاقية مونترو وقام الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنيسكي بزيارة تركيا، كما أعلنت تركيا أن الولايات المتحدة أعطت تركيا إشعارا وفق اتفاقية مونترو أن بارجتين عسكريتين أميركيتين ستنتقلان للبحر الأسود وستبقيان حتى يوم 4 من مايو، وعليه فقد أرسلت روسيا بدورها 10 سفن حربية إلى البحر الأسود وأعلنت أنها ستسحب سفينتين أخريين من البحر المتوسط إلى البحر الأسود.

نظرا لجدية الأمر أجرى أردوغان اجتماعا تقييميا عاجلا وأعطى أردوغان الرسالة بسرعة للرأي العام المحلي والدولي “تركيا ليس لديها نية في الوقت الراهن للخروج من اتفاقية مونترو الخاصة بحركة السفن عبر المضائق البحرية”.

وحول ربط مشروع القناة بانسحاب تركيا من مونترو فنّد أردوغان هذا الربط واعتبره خطأ كبيرا وحاول تخفيف الخطورة التي تم تصويرها عن القناة بقوله “ربط قناة إسطنبول البحرية باتفاقية مونترو خطأ كبير، فقناة إسطنبول ستخفف العبء عن مضائق إسطنبول، وستتيح لتركيا بدائل سيادية أخرى بمعزل عن القيود التي فرضتها اتفاقية مونترو”.

إن إشارة أردوغان إلى موضوع الوقت الراهن في الحديث عن مونترو تشير إلى وجود نية أو دراسة للأمر وقد يجعلنا ذلك نعود إلى انطلاقة النقاش وهو التصريح المنسوب لرئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب الذي نفاه لاحقا بالقول إنه فهم خطأ حيث نسب له القول إن تركيا قد تنسحب من اتفاقية مونترو.

كذلك الحال فإن نفي أردوغان للربط بين القناة واتفاقية مونترو يشير إلى الحرص على استمرار الوتيرة السريعة للتقدم نحو تنفيذ مشروع القناة بالتركيز على الفوائد الاستثمارية والاقتصادية وفي الوقت نفسه دون إثارة المخاوف للفاعلين الدوليين الذين يراقبون الحدث كمشروع جيوسياسي أكثر من كونه مشروعا محليا. أو بالنظر إليه في حدوده الدنيا مشروعا محليا يعزز قوة تركيا الإقليمية في حال تجاهل القوى الإقليمية لدورها.

[تلفزيون سوريا]

تسميات