المعايير الأربعة المحددة للموقف التركي من الأزمة الأوكرانية

هناك أربعة معايير تحدد السياسة التركية  تجاه الأزمة الأوكرانية؛ المعيار الأول هو العلاقات الودية بين تركيا وأوكرانيا، إذ أن أنقرة وكييف ليس لديهما أي أجندة سلبية ملحة، كما أن علاقاتهم السياسية والأمنية والاقتصادية جيدة، فأوكرانيا هي واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لتركيا، فقد تجاوز حجم التجارة الثنائية مؤخرًا 7.4 مليار دولار (100 مليار ليرة تركية)..

على مدار العامين الماضيين، شغلت الأزمة الأوكرانية جدول أعمال السياسة الدولية، وقد كانت الدولة الأوكرانية على طاولة التنافس العالمي بين الغرب وروسيا طيلة العقدين الماضيين. وفي هذا السياق، ينقسم الخطاب السياسي في أوكرانيا إلى مجالين مختلفين ومتعارضين، هما الجهات المؤيدة للغرب والجهات الموالية لروسيا.

كانت الثورة البرتقالية أول جبهة يحرز بها التحالف الموالي للغرب انتصارًا إذ منعت فيكتور يانوكوفيتش من الوصول إلى سدة الحكم في البلاد. إلا أن يانوكوفيتش قد استولى على السلطة في عام 2010 وأصبح رئيسًا. وخلال فترة رئاسته، تبنى سياسة موالية لروسيا كما كان متوقعًا.

وفي المرحلة التالية، سعى التحالف الموالي للغرب للرد، وحقق انتصارًا على جبهة ثانية في ثورة الميدان في عام 2014 التي أطاحت يانكوفيتش، ورداً على ذلك، تدخلت روسيا في السياسة الداخلية لأوكرانيا، وضمت بشكل غير قانوني شبه جزيرة القرم، ودعمت الانفصاليين الموالين لروسيا لإعلان الاستقلال عن أوكرانيا في منطقة دونباس. لم يعترف الرأي العام العالمي، ولا سيما الدول الغربية، بهذا الضم وبدأ بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا بسبب هذه الخطوة غير القانونية، ومن ثم، فقد جرى تدويل الأزمة.

حاولت العديد من الدول الغربية تحت قيادة الولايات المتحدة ردع روسيا وبدأت في اتخاذ إجراءات أمنية وسياسية واقتصادية ضد موسكو. ولكن كان ثمة بعض الاختلافات الهامة بين الدول الغربية فيما يتعلق بالإجراءات المتخذة ضد روسيا. حيث تستخدم الولايات المتحدة حلف شمال الأطلسي، وتتبع سياسة أمنية تجاه روسيا، في حين تنتهج بعض البلدان مثل ألمانيا سياسة معتدلة نسبيًا ولا تريد عزل روسيا.

ويشبه موقف تركيا، بوصفها دولة ذات عضوية في حلف الناتو، موقف المجموعة المعتدلة، حيث تفضل تركيا التي تريد إحلال السلام والاستقرار في المنطقة الاعتماد على الوسائل الدبلوماسية لتهدئة التوتر. فأولاً، تحتفظ تركيا بموقف محايد تجاه الأزمة الأوكرانية، وقد أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان ومسؤولون أتراك آخرون مرارًا وتكرارًا أن تركيا مستعدة للوساطة بين أوكرانيا وروسيا. وعلى الرغم من أن أنقرة ترفض علنًا ضم شبه جزيرة القرم وتدعم السيادة السياسية ووحدة أراضي أوكرانيا، إلا أنها تعتزم لعب دور الوسيط بين الطرفين.

ثانيًا، لتجنب العنف واسع النطاق في المنطقة، تفضل تركيا استخدام خطاب سياسي ودبلوماسي سلمي لحل الأزمة. لذا يعتبر أردوغان منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وليس حلف الناتو العنوان الرئيسي لإصلاح المشكلة. وانطلاقًا من هذه النقطة، أعلن أردوغان أنه مستعد لاستضافة محادثات السلام و / أو اجتماع مينسك المقبل في اسطنبول أو في أي مدينة تركية أخرى.

المعايير الأربعة

هناك أربعة معايير تحدد السياسة التركية  تجاه الأزمة الأوكرانية؛ المعيار الأول هو العلاقات الودية بين تركيا وأوكرانيا، إذ أن أنقرة وكييف ليس لديهما أي أجندة سلبية ملحة، كما أن علاقاتهم السياسية والأمنية والاقتصادية جيدة، فأوكرانيا هي واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لتركيا، فقد تجاوز حجم التجارة الثنائية مؤخرًا 7.4 مليار دولار (100 مليار ليرة تركية)، وفي العام الماضي زار أكثر من مليوني سائح أوكراني تركيا، وقد باعت تركيا مسيرات مقاتلة إلى أوكرانيا وهو ما سيزيد بالتأكيد من قوتها الرادعة ضد أي تهديد خارجي. وقد بدأ البلدان مشروعًا مشتركًا لتطوير محرك لبعض الأسلحة الاستراتيجية، وهو موضوع بالغ الأهمية لتركيا.

أما المعيار الثاني المحدد للموقف التركي من الأزمة الأوكرانية فهو علاقات تركيا مع روسيا؛ حيث تركيا تتبع سياسة قطاعية تجاه روسيا. لقد تطورت علاقات أنقرة مع موسكو في بعض الملفات على وجه الخصوص، في الوقت الذي حاولت فيه الدول الأوروبية عزل تركيا واقصاءها.

فمن ناحية أبرمت تركيا وروسيا اتفاقية ستبني روسيا بموجبها مفاعلًا نوويًا في تركيا. ومن ناحية أخرى اشترت تركيا أنظمة الدفاع الجوي إس -400 من روسيا عندما رفضت الدول الغربية بيع أنقرة نظامًا فعالاً، مما أثار رد فعل شرسًا من الولايات المتحدة، كما أن روسيا من أكبر الشركاء الاقتصاديين لتركيا. على الأقل، تركيا هي واحدة من المشترين الرئيسيين للغاز الطبيعي الروسي وواحدة من الوجهات السياحية الرائدة للروس.

المعيار الثالث هو حلف الناتو؛ فإذا تدخل الناتو بشكل مباشر في الأزمة الأوكرانية، وهو ما لن يحدث بطبيعة الحال إلا إذا وافقت جميع الدول الأعضاء على ذلك، فإن على تركيا بوصفها دولة ذات عضوية في الحلف اتخاذ موقف ضد روسيا. والانحياز إلى أحد طرفي الأزمة سيكون له تكلفة باهظة على تركيا وكذلك للعديد من أعضاء الناتو مثل ألمانيا. بعبارة أخرى، تعتبر بعض الدول الأعضاء في حلف الناتو مثل بولندا ودول البلطيق أكثر عرضة للتهديد الروسي، في حين أن دولًا أخرى مثل ألمانيا وتركيا لديها علاقات اعتماد متبادل مع روسيا. وتطلب المجموعة الأولى من الناتو اتخاذ إجراءات ضد روسيا فيما تفضل المجموعة الثانية إيجاد حل دبلوماسي.

المعيار الرابع هي وضع تتار القرم وهم السكان الأصليون الترك في شبه جزيرة القرم. لا تريد تركيا أن يتأذى تتار القرم، الذين عانوا بالفعل من ضم أراضيهم من قبل روسيا، بسبب الصراع، ويعرف المسؤولون الأتراك جيدًا أن تتار القرم سيكونون من بين الضحايا الأوائل في حالة الحرب بين الدولتين.

بإيجاز، نظرًا للمعايير المذكورة أعلاه، اتبعت تركيا سياسة محايدة ودورًا وسيطًا في الأزمة الأوكرانية. ولكا كانت تركيا تجمعها بكل من أوكرانيا وروسيا علاقات اعتماد متبادل؛ فهي لا تريد أن تتحول الأزمة إلى حرب إقليمية واسعة النطاق تضر بجميع دول المنطقة. لذا فإن المسؤولين الأتراك مصممون على مواصلة العمل من أجل حل سلمي للأزمة.

تسميات