الشكوك السياسية قبل الانتخابات الليبية

من المؤكد أن بعض المترشحين لرئاسة ليبيا عليهم أن يمروا بعملية تحول وأن يظهروا بعض المصداقية لكل من الجهات الفاعلة المحلية والدولية، وذلك من خلال توضيح التزامهم بالعمليات الديمقراطية وسيادة القانون والمصالحة الاجتماعية والسياسية الأوسع. ويجب أن تكون هناك هيئة ذات مصداقية وشرعية تشرف على التزام تلك الجهات بالإجراءات الديمقراطية وسيادة القانون واحترام الخصوم السياسيين.

تتجه ليبيا نحو الانتخابات في نهاية ديسمبر/كانون الأول في ظل ضغوط دولية مكثفة على الفاعلين المحليين الليبيين لتنظيم الاقتراع وفق الجدول الزمني المخطط له. وبالرغم من اقتراب الموعد المحدد بفاصل شهر واحد إلا أن العديد من القضايا المتعلقة بالانتخابات، غير مؤكدة في الوقت الحالي، بما في ذلك قوانين الانتخابات التي أصدرها مجلس النواب الشرقي. واستمرت الخلافات حول قانون الانتخابات وتوسعت لتشمل هويات الفاعلين السياسيين الذين أعلنوا ترشحهم للانتخابات الرئاسية.

ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية بعد شهر من الانتخابات الرئاسية. ووفقاً للمادتين 18 و21 من قانون الانتخابات يسمح بالترشح للبرلمان “للأفراد على أساس غير قابل للتحويل وليس المستقلين أو الأحزاب أو نظام القائمة”، ما يجعل النظام الليبي الجديد يتمتع برئيس قوي وبرلمان ضعيف ومشتت. والأهم من ذلك، لا توجد قيود كثيرة على المرشحين للرئاسة، إذ تنص المادة 6 من قانون الانتخابات أنه “يجب ألا يحمل المرشحون جنسية أخرى ما لم تسمح الدولة الليبية بذلك”.

فمن هم المرشحون لرئاسة الجمهورية؟

أعلن كل من الانقلابي العسكري خليفة حفتر ورئيس مجلس النواب الليبي في الشرق عقيلة صالح ووزير الداخلية السابق في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشا آغا ورئيس الوزراء المؤقت عبد الحميد محمد دبيبة ونجل معمر القذافي سيف الإسلام القذافي ورئيس الوزراء السابق علي زيدان وبعض السياسيين الآخرين، ترشحهم لرئاسة الجمهورية. لكن هناك بالفعل جدل عميق حول ملفات وخلفيات المرشحين الرئاسيين حيث يمكن لهوياتهم أن تقلل من شرعية ومصداقية العملية الانتخابية برمتها.

ويبدو جميع المرشحين المحتملين تقريباً مثيرون للجدل بالنسبة لبعض الجماعات، لكن هناك انتقادات خاصة ضد حفتر وسيف الإسلام القذافي. لأن هذه الانتخابات يجب ألا تمثل فرصة ثانية للبلطجية والانقلابيين ومجرمي الحرب وأمرائها لإشباع تعطشهم للسلطة. بل يمكن لهؤلاء الفاعلين المشاركة في العمليات الانتخابية ويمكنهم حتى تقديم مطالبات أوسع لحكم البلاد بالوسائل الديمقراطية، لكن بوجود شروط مسبقة معينة لمثل هذا الخيار. أولها أن يتحملوا المسؤولية عن الجرائم أو الأخطاء التي ارتكبوها في وقت سابق. كما يجب أن يثبتوا أنهم مروا بتحول حقيقي ويعتذروا للأشخاص المتضررين من أفعالهم، وكذلك أن يلتزموا بقواعد اللعبة السياسية الجديدة.

التزام مبدأ الديمقراطية

من المؤكد أن بعض المترشحين لرئاسة ليبيا عليهم أن يمروا بعملية تحول وأن يظهروا بعض المصداقية لكل من الجهات الفاعلة المحلية والدولية، وذلك من خلال توضيح التزامهم بالعمليات الديمقراطية وسيادة القانون والمصالحة الاجتماعية والسياسية الأوسع. ويجب أن تكون هناك هيئة ذات مصداقية وشرعية تشرف على التزام تلك الجهات بالإجراءات الديمقراطية وسيادة القانون واحترام الخصوم السياسيين.

وعليهم أيضاً أن يصلوا على الأقل إلى درجة أنهم لن يكرروا أخطائهم السابقة. كما يجب أن يتفق الضحايا والعائلات والأقارب على عدم وجود سياسة انتقامية، وأن التنافس أو الخلافات ستتم معالجتها من خلال العمليات السياسية المشروعة. وبمعنى آخر يجب تسوية الخلافات بالوسائل السياسية وليس بالعنف.

وفي حال عدم وجود ضمان أو التزامات ذات مصداقية بهذه المبادئ، فإن الإجراءات الانتخابية لن تؤدي إلا إلى تشديد الانقسامات وإلى مزيد من التوترات في البلاد. ولا يبدو إلى الآن أن أياً من الميليشيات مستعدة لنزع سلاحها أو حتى العمل في ظل سلطة سياسية منتخبة. ومن الصعب أن تبرز جهة فاعلة توحد الفصائل والجماعات من جميع أنحاء البلاد، وهو ما يجب على البرلمان والدستور الجديد أن يقوما به، بدلاً من تكريس مهمة انتخاب زعيم محتمل، خصوصاً بعد أن عجز أي من المرشحين المحتملين حتى الآن عن الحصول على دعم شامل في المنطقة بأكملها.

وبفرض أن المرشحين المحتملين من إحدى المناطق الثلاث طرابلس وبرقة وفزان، لا يسعون إلى المصالحة مع الفاعلين المحليين في المنطقتين المتبقيتين لإضفاء الشرعية على مناصبهم. فإنهم سيواجهون تحديات كبيرة لحكم البلاد. كما أنهم لن يعتبروا حكاماً شرعيين من قبل شعوب تلك المناطق الأمر الذي من شأنه أن يدفعهم للبحث عن الشرعية والدعم من خارج البلاد، ومن البديهي أن تتسبب مشاركة الجهات الخارجية وتنافسها في زيادة تعقيد المعادلة السياسية في ليبيا.

خلاصة القول إنه بالرغم من وجود فترة محدودة فقط على موعد الانتخابات المقرر، إلا أن الأساس السياسي والقانوني لهذه الانتخابات ليس ثابتاً بعد. ويشعر العديد من الفاعلين المحليين بالقلق من أن تزيد العملية الانتخابية من حدة الانقسامات في البلاد وتؤدي إلى خلل وظيفي ونظام سياسي ضعيف، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى إطلاق دائرة أخرى من العنف وإلى تدخلات أجنبية. وبالطبع سيكون هذا السيناريو كابوساً لليبيين، إذ قد تصبح الانقسامات الحالية أكثر منهجية، وقد تنقسم البلاد عملياً إذا فقد الشعب الليبي آماله من العملية السياسية الديمقراطية. ومع اقتراب موعد الانتخابات الليبية يوحي السياق العام للعملية السياسية بتهديد استقرار البلاد بدلاً من إرسائه.

تسميات