الجولة الثانية من السجال بين أردوغان وماكرون

العجيب في الأمر أن فرنسا التي ليس لها أي شاطئ في شرق المتوسط تشمر عن ساعدها لتضطلع بدور "قوات درك الاتحاد الأوروبي" أمام تركيا التي تمتلك أطول شاطئ على هذا البحر.

يتواصل السجال بين الرئيس أردوغان والرئيس الفرنسي ماكرون. إذ تبدي أنقرة تصميماً على الحفاظ على مصالحها في شرق المتوسط، وعلى إثر ذلك؛ جمع ماكرون دول جنوب أوروبا في جزيرة كورسيكا، ليصرح قائلاً: “إن مشكلتنا مع أردوغان، وليس مع الشعب التركي”.

لم يترك أردوغان هذا السلوك دون رد؛ فقال في كلمته الافتتاحية لندوة “الإرادة الوطنية” في جزيرة ياسِي (ياسي أضة): “سيد ماكرون، إنك ستواجه المزيد من المشاكل معي شخصياً”. ثم عاد ليصرح مرة أخرى: “يا ماكرون، لم يتبق من مدتك الرئاسية سوى القليل، أنت راحل”.

لا تخلو المحادثات الهاتفية بين الزعيمين من السجال، ولا يتوقف الجدل بينهما أمام الصحافة. ومن المعروف أن أردوغان يلقن ماكرون دروساً حول السياسة العالمية والتاريخ الفرنسي خلال المحادثات الهاتفية التي تجري بينهما. فأردوغان الذي أجرى مباحثات دبلوماسية مع الرؤساء الفرنسيين السابقين شيراك وساركوزي وأولاند، يعتبر ماكرون قليل الخبرة وحديث العهد بالسياسة.

الواضح كذلك من لغة جسد ماكرون خلال المباحثات الثنائية التي يجريها مع أردوغان أنه ينسحق أمام خبرة الأخير وتجربته. إلا أن ماكرون طموح جداً في مسألة استهلاك رأس مال العداء لأردوغان الموجود بأوروبا. لكن العجيب في الأمر أن فرنسا التي ليس لها أي شاطئ في شرق المتوسط تشمر عن ساعدها لتضطلع بدور “قوات درك الاتحاد الأوروبي” ضد تركيا التي تمتلك أطول شاطئ على هذا البحر. فهي تستخدم اليونان في تحركاتها الطامعة غير المؤهلة، بهدف بيع السلاح.

يقوم ماكرون بتحركاته المحكوم عليها بالفشل، برفقة مهاتراته حول أردوغان. وهذه ليست المرة الأولى..

حيث نذكر خلال عمليات تركيا العسكرية في سوريا، انتقد ماكرون أردوغان، مرتكزاً على ادعاء “الموت الدماغي للناتو”، وكان أردوغان قد أوصاه بأن يهتم بالموت الدماغي الذي يعيشه هو نفسه. لكن انتقاد ماكرون لأردوغان بغرض تشجيع اليونان وجد تأييداً هذه المرة، ولكن ليس من دول جنوب أوروبا، وإنما من زعيمة حزب التجمع الوطني مارين لوبان. فمن مارين وبان التي قالت “أدعم ماكرون في انتقاده أردوغان”؟

لوبان هي زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي الذي سيشتد ساعده في حالة فشل ماكرون.

لا أظن أن المستشارة ميركل التي تقوم بجهود الوساطة بين تركيا واليونان راضية عن مهاترات ماكرون تلك. إلا أن ميركل لا تعارض سياسات ماكرون المتهورة ومهاتراته، لسببين:

أولهما؛ أن الولايات المتحدة تقوم بالضغط على برلين عبر ملفي التيار الشمالي-2  والانفاق العسكري في الناتو. ثانيهما؛ أنها تخشى أن يشكل فشل ماكرون مناخاً شبيهاً بذاك الذي ساد عام 2017 في أوروبا.

تدرك ميركل أن موجة جدية لليمين المتطرف قد تبدأ بصعود مارين لوبان، ربما تقضي على الاتحاد الأوروبي. لذا لا ترغب ميركل في أن يفشل ماكرون، ولكنها أيضاً على وعي بخطورة توجه موجة لجوء جديدة نحو أوروبا لذا؛ فهي راغبة كذلك في العمل مع أردوغان ولكنها تعاني الأمرين في كبح جماح أولئك الداعين إلى “تلقين تركيا درساً”.

أما أردوغان فهو بالطبع غير منزعج من مهاترات ماكرون. ويرى أن خطوطه الحمراء هي خطوط جوفاء فارغة. لكنه يقدر جهود الوساطة التي تجريها المستشارة ميركل. ويدرك أن دول جنوب وشرق الاتحاد الأوروبي لا ترغب في مواجهة المشاكل مع تركيا.

من الواضح جداً أن ماكرون يقوم بلفت الأنظار عن سياسته الداخلية. ولكن بعض الصحفيين الذين يرون أن استهداف أردوغان في مسألة شرق المتوسط يوحد الرأي العام التركي كانوا متعجلين في تحذيرهم من أن هذه المهاترات تصب في صالح أردوغان.

إذا استمرت الأمور على هذا النحو فسيكون هناك جولة ثالثة ورابعة للسجال بين أردوغان وماكرون.

تسميات