اتفاق بغداد-أربيل وسنجار

في الأيام الماضية حدث تطور هام في العراق، حيث أعلن المسؤولون العراقيون عن التوصل إلى اتفاق، لتعزيز سلطة الحكومة المركزية في مدينة سنجار، وتطهيرها من المجموعات المسلحة القادمة من الخارج (تنظيم بي كا كا).

في الأيام الماضية حدث تطور هام في العراق، حيث أعلن المسؤولون العراقيون عن التوصل إلى اتفاق، لتعزيز سلطة الحكومة المركزية في مدينة سنجار، وتطهيرها من المجموعات المسلحة القادمة من الخارج (تنظيم بي كا كا). وفقاً للاتفاق؛ قررت الحكومة المركزية العراقية وإدارة إقليم كردستان العراق التعاون في قضايا مثل الأمن والإدارة والخدمات العامة. بالإضافة إلى التطلعات الأمنية المرجوة من الاتفاق؛ سيتم اتخاذ الخطوات اللازمة من أجل إعادة السكان المحليين الذين أُجبروا على مغادرة من منازلهم.

تعتبر سنجار إحدى المناطق المتنازع على وضعها القانوني بين حكومتي بغداد وأربيل. كانت المنطقة قد تعرضت إلى اعتداءات مكثفة من داعش في أغسطس من عام 2014، ما جعلها تعاني من مأساة إنسانية كبرى. حيث لجأ اليزيديون الذين يشكلون الأغلبية العظمى من سكان المنطقة إلى مناطق مختلفة، على رأسها مناطق الإدارة الذاتية لإقليم كردستان العراق، تاركين بيوتهم من خلفهم. في نوفمبر من عام 2015 استعادت قوات البيشمركة المنطقة من داعش، إلا أن قوات البيشمركة اضطرت إلى الانسحاب مع قدوم قوات الجيش العراقي إلى المنطقة في أكتوبر من عام 2017.

أما عن تنظيم بي كا كا الإرهابي؛ فقد تذرع بتعرض اليزيديين لاعتداءات داعش، ليبدأ في التموضع في المنطقة، قادماً من سوريا وجبال قنديل بدعوى حماية السكان اليزيديين. توسع تنظيم بي كا كا في المنطقة سريعاً، مستفيداً من الفراغ الذي نشأ نتيجة انسحاب البيشمركة، وفشل الجيش العراقي في فرض سيطرته على المنطقة ليعزز استحكاماته العسكرية، عبر تأسيس مجموعات مسلحة من السكان اليزيديين، مثل وحدات مقاومة سنجار. نتيجة لذلك؛ تحولت منطقة سنجار إلى إحدى القواعد الهامة لتنظيم بي كا كا بعد جبال قنديل.

موقف تركيا

في علاقاتها مع العراق تركز تركيا على قضايا الأمن والاستقرار، فيما تعرب في كل فرصة عن انفتاحها على التعاون مع السلطات العراقية. ويعتبر الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين حكومتي بغداد وأربيل تطور هام في هذا السياق. حيث يمكن القول إنه إذا تم تنفيذ الاتفاق المذكور ستبدأ مرحلة إيجابية إلى حد بعيد في مكافحة تركيا للإرهاب. فتعزيز سلطة الحكومة المركزية العراقية المركزية في سنجار، وتطهيرها من امتدادات تنظيمي بي كا كا وداعش، وعودة السكان المحليين إلى منازلهم هي تطورات لطالما طالبت بها تركيا.

إن استقرار تنظيم بي كا كا في منطقة سنجار ومحيطها هو أحد أكثر القضايا الأمنية حساسيةً في مكافحة تركيا للإرهاب. حيث تتسبب أنشطة بي كا كا المتزايدة في هذه المنطقة في تهديد أمن تركيا، بالإضافة إلى جرها المنطقة إلى عدم الاستقرار.

تحملت تركيا مسؤولياتها في مكافحة الإرهاب من خلال العمليات العسكرية التي نفذتها بصورة مكثفة في الأعوام الأخيرة. حيث تأخذ تركيا موقفاً واضحاً من كافة أنواع الإرهاب. فالعمليات العسكرية التي تم تنفيذها ضد داعش وتنظيم بي واي دي توضح الكثير حول موقف تركيا. ويعتبر الموقف الذي ستتخذه حكومة إقليم كردستان العراق مهماً في هذا السياق. حيث سيكون الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع بغداد بمثابة اختبار بالنسبة لحكومة أربيل التي لطالما اعتبرت وجود بي كا كا في سنجار تهديداً أمنياً. بعبارة أخرى؛ تقدم الخطوات التي اتخذتها الحكومة المركزية بقيادة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في قضية مكافحة الإرهاب أرضية شرعية بالنسبة لكافة الأطراف. لذا؛ على الإدارة الذاتية لإقليم كردستان العراق أن تتحمل مسؤولياتها.

يجب متابعة العلاقات التي ستقيمها حكومة أربيل سواء مع الحكومة المركزية أو مع أنقرة عن قرب.

مستقبل الإرهاب

يمكن أن ينشأ الإرهاب في أي وسط يستطيع الحصول فيه على موقع جغرافي ملائم، وموارد بشرية، وأسلحة. وقد حولت نشأة داعش وتوسعها وسهولة حصولها على السلاح شمالي العراق، إلى جانب ضعف سلطة الحكومة المركزية مدينة سنجار ومحيطها إلى بيئة خصبة للإرهاب. فيما استغل تنظيم بي كا كا الظروف الراهنة، ليستقر في المنطقة، بدءاً من عام ،2015 متذرعاً بالمذابح التي نفذها تنظيم داعش. وأقام معسكرات هناك، وقام بتسليح السكان المحليين.

يبدو تطهير تلك المنطقة من الإرهاب دون  وضع استراتيجية شاملة لمكافحته كمهمة صعبة إلى حد بعيد. ويمكن اعتبار الاتفاق المذكور أعلاه خطوة هامة في هذا السياق. لقد أظهرت النجاحات التي حققتها تركيا في العمليات العسكرية التي نفذتها ضد الإرهاب في الفترة الأخيرة سواء داخل البلاد أو عبر الحدود كيف يمكن تحقيق نتائج عظيمة عندما تتوفر الإرادة والتخطيط اللازمان.

إن للتعاون الذي سيتم بين حكومتي أنقرة وبغداد ضد إرهاب تنظيم بي كا كا أهمية حيوية لكلا البلدين. فقد كان هذا بالضبط هو ما سعت إليه تركيا في الأعوام الأخيرة. حيث استمرت العلاقات بين بغداد وأنقرة بصورة مكثفة، بالرغم من مرور العراق بأزمات حكومية بصفة متواصلة. وتجني تركيا ثمار العمليات التي نفذتها بنجاح شمالي العراق.

بالنسبة للسياسيين العراقيين الذين وقعوا رهينة للتنازع الأمريكي-الإيراني في الأعوام الأخيرة تعتبر الخطوات التي ستُخطى في قضية مكافحة الإرهاب مهمة إلى حد بعيد، من أجل إعادة تأسيس سلطة الدولة داخل البلاد. فتوسع داعش وتأسيس قوات الحشد الشعبي، وفتح تنظيم بي كا كا مجال جديد لنفسه في سنجار بعد قنديل، هي أهم أسباب عدم الاستقرار.

سيكون الاتفاق الذي توصلت إليه حكومة الكاظمي مع حكومة إقليم كردستان العراق خطوة مهمة على طريق تغير الوضع الحالي.

تسميات