إن لم يتصدَ العالم للانقلابات الآن، فمتى يفعل؟

هذا النمط من ردود الفعل على الانقلابات لن يجلب الخير للديمقراطيات الناشئة، بل إنه يُعطي الضوء الأخضر لبعض الجنرالات الطموحين في العالم... وإذا ما استمر هذا الموقف، فسوف نستمر في رؤية أخبار الانقلابات العسكرية تطالعنا في النشرات والصحف اليومية بصفتها واقعاً معاشاً وليس كجزء من التاريخ فحسب.

يشكل التدخل العسكري في السياسة أحد أهم التهديدات التي تواجه الحكومات الديمقراطية حول العالم. وبالرغم من تغافل الكثيرين عن حجم هذه التهديدات في جميع أنحاء العالم، إلا أن الانقلابات والتدخلات العسكرية لا زالت تسفر عن وجهها البغيض وتذكّر بنفسها من خلال وجودها الفعلي هنا وهناك.

ويصادف هذا الأسبوع الذكرى الرابعة والعشرين للتدخل العسكري في السياسة التركية الذي وقع يوم 28 فبراير/شباط، عندما نظم الجيش التركي انقلاباً سمي بـ”انقلاب ما بعد الحداثة” ضد الحكومة التركية المنتخبة ديمقراطياً.

وبعد تنفيذ الانقلاب بوقت قصير، صرح منفذوه بأنه “انقلاب ما بعد الحداثة” لأن الجيش حشد بعض المؤسسات الأخرى ضد الحكومة، بما في ذلك وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.

واليوم، يُذكر هذا التدخل كواحد من أحلك المواقف في تاريخ الديمقراطية التركية. ومع أن الجنرالات الذين نظموا الانقلاب أعلنوا يومها أن عملية 28 فبراير/شباط ستستمر لـ “ألف عام” القادمة، إلا أن رد الفعل الجماهيري في تركيا تجاه الانقلاب جاء سريعاً من خلال الانتخابات وأنهى العملية وحسم الأمر لصالح الديمقراطية من جديد.

لكن العالم عاد وشهد الشهر الماضي وحده وفي بلدين مختلفين، تدخلاً عسكرياً سافراً في القيادة السياسية. ففي الأيام الأولى من فبراير/شباط، أطاح الجيش في ميانمار، بحكومة “أونغ سان سو كي” المنتخبة التي ذاع صيتها في السنوات الأخيرة بانتهاكاتها الفظيعة لحقوق الإنسان ضد مسلمي “الروهينغا”، وتم وضع رئيسة الوزراء المخلوعة قيد الإقامة الجبرية، وأعلن الجيش حالة الطوارئ لمدة عام في البلاد. وصرّح في وقت لاحق بأن الانتخابات السابقة التي جلبت “سو كي” إلى السلطة كانت باطلة.

وأثار تدخل الجيش ردود فعل جماهيرية ضخمة في ميانمار، مع أنها لم تكن المرة الأولى التي تتدخل فيها القوات المسلحة في سياسة البلاد. ومع مرور قرابة شهر على المظاهرات واسعة النطاق التي اندلعت منذ استحواذ العسكر على الحكم، فقد امتدت هذه الاحتجاجات إلى مدن مختلفة في جميع أنحاء ميانمار، وبدأت شرائح اجتماعية متنوعة أيضاً في الانضمام إلى المظاهرات التي لا يوجد ما يشير إلى توقّفها بالرغم من رد الشرطة القاسي على المتظاهرين.

وبينما كان النقاش حول التدخل العسكري في ميانمار لا يزال جديداً في المجتمع الدولي، أظهرت وكالات الأنباء وقوع انقلاب عسكري في أرمينيا حيث قام الجيش بمحاولة للإطاحة بالحكومة.

وبالرغم من حالة الارتباك في البداية وتضارب التقارير حول التطورات في البلاد، إلا أنه سرعان ما اتضح أن الجيش الأرميني طلب استقالة رئيس الوزراء “نيكول باشينيان”.

وأدلى “باشينيان” ببيان عبر حسابه على الفيسبوك، قال فيه إنه يعتبر تصريح هيئة الأركان محاولة لانقلاب عسكري. كما طلب من أنصاره الانضمام إليه في الساحة الرئيسية بالعاصمة الأرمينية من أجل التصدي لنداءات الجيش.

ولا يزال الوضع في كلا البلدين غير مستقر إلى الآن. وهناك مخاوف من زيادة القمع العسكري في ميانمار بسبب ارتفاع عدد الاحتجاجات في البلاد.

أما في أرمينيا، فلا تزال الضبابية تلف الأحداث المحتمل وقوعها في الأيام القليلة المقبلة.

لكن التطورات في كلا البلدين أظهرت أن الانقلابات ليست صفحة ماضية من صفحات التاريخ. إذ تستمر بعض العناصر داخل الجيش إلى يومنا الحاضر في انتهاك معايير سيطرة الحكومات المدنية وتعمل على الإطاحة بالحكومات المنتخبة ديمقراطياً.

لقد فشل المجتمع الدولي حتى الآن في الرد على هذه التدخلات العسكرية، بل فشل في اتخاذ موقف مبدئي منها.

ففي عام 2013، فشلت الولايات المتحدة في تسمية الانقلاب الذي وقع في مصر بـ”انقلاب”، بل وصفت ما حدث على لسان وزير خارجيتها “جون كيري” بأنه “استعادة للديمقراطية” من قبل الجيش.

وفي انقلاب ميانمار، نرى العالم يتخذ مرة أخرى موقفاً غير متسق. وقد منعت الصين وروسيا هذه المرة، صدور قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدين الانقلاب.

هذا النمط من ردود الفعل على الانقلابات لن يجلب الخير للديمقراطيات الناشئة، بل إنه يُعطي الضوء الأخضر لبعض الجنرالات الطموحين في العالم.

وإذا ما استمر هذا الموقف، فسوف نستمر في رؤية أخبار الانقلابات العسكرية تطالعنا في النشرات والصحف اليومية بصفتها واقعاً معاشاً وليس كجزء من التاريخ فحسب.

تسميات